والجواب عن السؤال الثالث: أن قوله في آية المؤمنون (زُبرا) تأكيد لافتراقهم، وانتصابه على الحال الواردة بياناً وتأكيداً لقبح تفرقهم وشنيع مرتكبيهم، فناسب ذلك مقصود هذه الآية هنا من التخويف والإنذار، ولم يكن ليناسب آية الأنبياء لبنائها على غير ما قصد هنا، لما تقدمها من تأنيس نبينا صلى الله عليه وسلم، وتعريفه بما منح سبحانه متقدمي الرسل، وما أعقبهم صبرهم على أممهم، وهو، عليه السلام، قد قيل له: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: ٩٠)، فقدم له، عليه السلام، في سورة الأنبياء من قصصهم ما ثبت فؤاده، وصار جليل هذا التأنيس مما بنيت عليه السورة، وعلى ذلك جرت سورة مريم وسورة طه على ما مهدته وبسطته في ترتيب هذه السور الكريمة، فمن حيث الإشارة إلى ما ذكر لم يكن ليناسب ذلك تأكيد افتراقهم وتشتتهم، ولما رجع الكلام للآية الثانية، بعد تثبيته، عليه السلام، وتأنيسه، إلى التعريف بمرتكبات الأمم، وذكر ما استحقوا به ما عوقبوا به، وإن كلاً من المكذبين أخذ بذنبه، كان ذلك مظنة تأكيد المرتكب، فقيل: (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا) (المؤمنون: ٥٣)، والله أعلم.
والجواب عن السؤال الرابع: أن تعقيب آية الأنبياء بقوله: (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ) (الأنبياء: ٩٣) وإن كان وعيداً وتهديداً فليس في شدة التهديد ومخوف الوعيد كالواقع في سورة المؤمنون، يوضح ذلك ويبينه ما اتصل بكل من الآيتين من قوله في آية الأنبياء: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ) (الأنبياء: ٩٤)، فذكر عند وجوعهم إليه سبحانه جزاء من أجاب وأحسن، وطوى الكلام عن الإفصاح بحكم الطرف الآخر من ذكر من أساء، فلم يجر لهم ذكر مفصح به كما في الطرف الآخر، مع أن إجمال قوله تعالى: (كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ) (الأنبياء: ٩٣) وما أعقب به من قوله: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ) (الأنبياء: ٩٤) كقوله في آية المؤمنون: (فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ) (المؤمنون: ٥٤) وقوله: (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ) (المؤمنون: ٥٥ - ٥٦) فقد وضح مناسبة المتبع به في كل من الآيتين لما تقدمه، ولم يكن ليناسب عكس الوارد، والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon