(النساء: ٥٧) إلى قوله: (ظِلًّا ظَلِيلًا) (النساء: ٥٧)، والإطناب يناسب الإطناب، ولما قال في سورة السجدة: (أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٩) وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ) (السجدة: ١٩ - ٢٠)، فلم يقع تفصيل في الطرفين، وأوجز الكلام ناسبة الإيجاز، فلم يرد هنا قوله: (منغم)، ونظير هذا في إيجاز الجزاء قوله تعالى جزاء من الطرفين: (فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) (النازعات: ٤١)، فلم يقع وصف الجزاء ولا تفصيل هذه كآية السجدة من غير فرق، وللإطناب في التفصيل زيد في آية الحج ما حذف للإيجاز في آية السجدة، وورد كل على ما يجب ويناسب، ولم يكن عكس الوارد ليناسب على ما تمهد.
والجواب عن الثاني: أن آية السجدة لما قيل فيها: (وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا)، والفسق الخروج، وقد يكون إلى معصية دون الكفر، ويكون إلى الكفر حين كذبوا بالوعد والوعيد الاخراوي، فقيل لهم: (ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (السجدة: ٢٠)، أما آية الحج فتقدم قبل ذكر الإفصاح بكفرهم في قوله: (فَالَّذِينَ كَفَرُوا) (الحج: ١٩)، فلم يحتج إلى التعريف الوارد في سورة السجدة، فجاء كل على ما يجب ويناسب، ونظير الواقع في آية السجدة وصف النار واتباعها بصفة المعذب بها قوله تعالى في سورة سبأ: (فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) (سبأ: ٤٢)، لما تنزل عذابهم على الظلم، والظلم يقع على الكفر وعلى ما دونه، فاتبع الوعيد بما يبين أن المراد ظلم التكذيب والكفر لا ظلم معصية دون الكفر، كما بين في سورة السجدة أن المراد بالفسق الكفر لا فسق معصية دونه، فوضح ما قلته. والحمد لله.
فأما ما وقع في هاتين الآيتين من التذكير والتأنيث في الموصول والضمير في قوله: (الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (السجدة: ٢٠)، وقوله في الآية الأخرى: (الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ) (سبأ: ٤٢)، مع التساوي فيما جرى عليه الوصف، فإن ذلك لرجوع الوصف في آية السجدة إلى العذاب وهو مذكر، ورجوعه في آية سبأ إلى النار وهي مؤنثة، ويذكر وجه التخصيص في سورة سجدة لقمان إن شاء الله تعالى.
الآية الثالثة - قوله تعالى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ) (الحج: ٤٥)، وقال تعالى بعد هذا: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ) (الحج: ٤٨)، يسأل عن الفرق الموجب لاختلاف الواقع في الآيتين؟