مبلغ غاية توجب الإيمان للمعتبر بما قيل لهم وذكروا به من علم هذا، وثيل لهم من علم هذا ثم لم يطع من له ذلك ويفرده تعالى بالعبادة فهو مسحور (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ) (المؤمنون: ٨٩) أي كيف تسحرون؟
والجواب الثاني، وهو أجرى مع ظاهر الآية، من غير تكلف تقدير، وليس بخلاف للأول إلا في عبارة، وهو أن تقول: إن تذكيرهم ورد أولاً بذكر ما كانوا يقرون ولا يتوقفون فيه وهو ملكه سبحانه الأرض ومن فيها قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) (لقمان: ٢٥)، والخالق مالك لما خلقه، فكأن قد قيل لهم: إذا علمتم بانفراده سبحانه بذلك فهلا أفردتموه بالعبادة واستدللتم بالبدأة على العودة (أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)؟ ثم ذكروا بربوبيته سبحانه وملكه السماوات والسبع والعرش، فاعترفوا إلى اعترافهم بما تقدم وإقرارهم بملكه لما ذكر وقدرته وقهره. ولو سبقت لهم سعادة لكان تذكرهم لذلك يؤثر خوفهم من عذابه، فلما لم يقع ذلك منهم قبل لهم: (قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) (المؤمنون: ٨٧)، ثم ذكروا بعظيم سلطانه تعالى، وعلو قهره لجميع الموجودات، وكونها في قبضته، وأنه ذكروا بعظيم سلطانه تعالى، وعلو قهره لجميع الموجودات، وكونها في قبضته، وأنه لا حكم لأحد عليه تعالى فقال: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (المؤمنون: ٨٨)، ثم ذكر اعترافهم بهذا في قوله: (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) (المؤمنون: ٨٩)، فلما تم تقديرهم على جميع ما تقدم مما ذكروا به، واعترافهم بكل ذلك، ولم يعقبهم إقرارهم ولا اعترافهم والإيمان والانقياد، كانوا كمن فقد عقله أو سحر، فاختل نظره وعقله، فقيل لهم كيف تسحرون ما بالكم أنى تستحرون؟ (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ (٩١) عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (المؤمنون: ٩١ - ٩٢)، فقد وضح تناسب هذا كله، وتبين التحامه.
****