اللَّهِ) - أي المؤمنين - (خَيْرٌ وَأَبْقَى) (القصص: ٦٠)، وقد أخبرهم سبحانه في موضع آخر أن الدنيا وحياتها غرور، وأخبرهم أن الآخرة هي دار القرار، وبعد تحذير المؤمنين وردت قصة قارون فالتحمت الآية بتلك القصة، وقيل هنا: (وزينتها) كما قيل في تلك: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) (القصص: ٧٩)، ومن الذي يعدل عما عند الله سبحانه إلى ما جعله تعالى سبباً لإهلاك المشركين؟ فتناسب هذا كله وتلاءم.
ولم يقع في آية الشورى ذكر (وزينتها) إذ لم يرد فيها ما ورد هنا مما استدعى هذه المناسبة، ولم يرد في سورة الشورى من أولها إلى آخرها ذكر بسط حال دنياوي لأحد، بل تضمنت حقارة الدنيا ونزارة رزقها، وأنه مقدور غير مبسوط، وتلك حال الأكثر، فقال تعالى: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ) (الشورى: ٢٧)، وقال عند ذكر من اختار الدنيا ومال إليها: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا) (الشورى: ٢٠)، فقال: (منها) بأداة التبعيض، فلم يقع في هذه السورة ما يستدعي ذكر الزينة المالية، فلذلك لم تذكر، والله أعلم
والجواب عن السؤال الثاني أن قوله تعالى في آية القصص (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) ملتحم أوضح التحام بما اتصل به من قوله: (أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (القصص: ٦١)، فكأن قد قيل بعد قوله: (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى) فكأن قد قيل: أفلا تعقلون ما بين الأمرين، ثم أخبر بقوله: (أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) في العذاب الذي لا أخر له، فقوله: (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) من تمام ما قبله وذلك بين التناسب.
ولما ورد قبل آية الشورى: (وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (الشورى: ٧)، قوله: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا) (الشورى: ١٣) إلى قوله: (فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) (الشورى: ١٥). وقوله: (أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ) (الشورى: ١٨)، قوله: (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ) (الشورى: ٢٢)، وقوله: (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (الشورى: ٣١)، ناسب هذا المتقدم من التخويف ما ينبئ المؤمنين المستجيبين بأصناف قوله: (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى) بقوله تعالى: (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي صدقوا بكل هذا وعلى