الآيةالثانية من سورة الروم - قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (٢٢) وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (٢٣) وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (الروم: ٢١ - ٢٤)، للسائل أن يسأل عن وجه اختصاص كل آية من هذه الأربع بما ختمت به من وصف المعتبرين؟
والجواب عن ذلك، والله أعلم: أن الآية الأولى لما انطوت من حكمته سبحانه في سبب التناسل والتكاثر على ما أبداه تعالى في خلق الأزواج منا ليحصل السكن وعدم التنافر، ثم غرس سبحانه المودة والرحمة في قلب كل واحد من الزوجين ليتم الالتئام ويحصل التعاون على ما به قوام العيش، إلى ما يتعلق بهذا ويرجع إليه مما يحصل على عجائبه ولا يحاط ببعض الحكمة فيه إلا بمداومة الفكر وطول الاعتبار، ناسب هذا إعقاب هذه الآية بوصف التفكر فقال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). ولما كان خلق السماوات والأرض واختلاف الألسنة والألوان مع عظيم الأمر في ذلك باد منه الشهادة بأن وراء ذلك موجداً متنزهاً عن شبه هذه الأجرام، ومتعالياً عن تعبير مختلف الألسنة والألوان، ولم تكن شهادة هذه بحيث تخفى حتى يحتاج فيها إلى طول التفكير في البادي لمتصف بالعقل وإن اتسع النظر في عجائب ما انطوت عليه الأجرام السماوية وانتشرت وجوه الاعتبارات اتساعاً تنحسر العقول دونه وتكل الأذهان عن درك أدناه، ولهذا تحصل ذكر الاعتبارات اتساعاً تنحسر العقول دونه وتكل الأذهان عن درك أدناه، ولهذا تحصل ذكر الاعتبار بالسماوات والأرض فقيل: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (البقرة: ١٦٤)، وقيل: (فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (البقرة: ١١٦)، وقيل: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ) (الذاريات: ٢٠)، فأشير أولاً إلى خلق أجرامها وصورها، وأشير ثانياً إلى خلق ما فيها، فهذا بحر لا تدركه الدلاء، وباب لا يسعه تدوين ولا إملاء، ومع ذلك فإن ربنا سبحانه ذكر عباده من ذلك بما تبدو شهادته فقال: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ) (ق: ٦ - ٧) إلى ما يتلو هذا مما يشهد بأول اعتبار مما لاتكل عنه البصائر والأبصار، وتأمل لطف دعائه سبحانه الخلق إلى عبادته في قوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ) (البقرة: ٢١) إلى قوله: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) (البقرة: ٢٢) إلى أشباه هذه، فلما كان هذا الضرب من الاعتبار يحصل بأوله المقصود لكل أحد قال تعالى: (إِنَّ فِي