٢٦)، وكان الكلام في قوة أن لو قيل: فعليه مطابق كفره من العذاب، وكذلك تضمن قوله في الناجين: (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ) من تفصيل الأحوال في الثواب كل بحسب ما مهد لنفسه كما في قوله: (إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (الطور: ١٦)، فعبر عن ذلك بأوجز عبارة وأوفاها بالمقصود، وقدمت الإشارة إلى ذلك التفصيل في الطرفين بقوله: (يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ).
وأما آية الشورى فإنه تقدم قبلها قوله تعالى: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ) (الشورى: ٤٤)، والولي من يرجع إليه انضواء واعتماداً، ثم قال تعالى مخبراً عن الظالمين في نفي الولي والنصير عنهم: (وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) (الشورى: ٤٦)، فلما نفى عنهم الأولياء الناصرين والسبيل إلى التخلص ناسب ذلك أمره تعالى العباد بالاستجابة له فقال: (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ) (الشورى: ٤٧) أي أنه آت لا محالة: (مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ) أي من ولي ترجعون إليه أو يدفع عنكم، (وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) أي إنكار، فلا تعلق لكم ولا ينفعكم إنكاركم إن تعلقتم، فحذر تعالى عباده من حال الظالمين في عدم الولي والناصر، وأمرهم بالاستجابة قبل التورط وانقطاع الطمع والرجاء في التخلص، وعدم جدوى الإنكار لمن ظن التعلق به، فحذرهم مما امتحن به غيرهم بعد ذكر حال من امتحن، فناسب ذلك لكه أوضح تناسب.
الآية الخامسة من سورة الروم - قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) (الروم: ٤٦) وفي سورة الجاثية: (اللَّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ) (الجاثية: ١٢)، للسائل أن يسأل عن زيادة (فيه) في سورة الجاثية وكونه لم يثبت في سورة الروم؟
والجواب، أن هذا لا إشكال فيه، لأن البحر لم يجر له ذكر في آية الروم، فلم يكن للضمير ما يرجع إليه، فلم يؤت به بهذا، ولو قصد محل جري الفلك ألزم الإتيان بالظاهر (ولقيل): ولتجري الفلك في البحر، وهو مفهوم من السياق، فلم يحتج إليه هناك. أما آية الجاثية فإنه لما قدم فيها ذكر البحر جيء بالضمير المجرور العائد إليه على ما ينبغي، وكان له مفسراً، فحسن الإتيان به بخلاف آية الروم، فالفرق بينهما لا خفاء به.