على ما بين الله لك من الشرع الذي جعله سبحانه سبيلك ودينك الذي تدعو إليه، وطريق من تقدمك من الرسل الذين يبلغون رسالات الله ويخشوننه ولا يخشون أحداً إلا الله، فالله أحق أن تخشاه أنت يا محمد، ولا تصغ إلى أحد، ولا تستحي منه، فإنك على صراط مستقيم، فقد وضح ما أخفاه في نفسه وهذا الذي أبداه تعالى، ألا ترى أنه سبحانه قد وعد أنه يبدي ما أخفاه ﷺ في نفسه، فهل ترى في تلك القصة خلاف ما نطق به كتابه من قوله تعالى: (فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا) (الأحزاب: ٣٧)، وكانت زينب تفخر بهذا وتقول لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم: زوجكن أهلوكن زوجني الله من فوق سبع سماوات، فهذا إخباره سبحانه وما أبداه مما أخفاه نبيه ﷺ في نفسه وما سوى هذا فاختلاق. ونقول: وقد تسامح المفسرون هنا، وتبع آخرهم أولهم في نقل ما كان الواجب تركه، إذ هو خلاق القرآن لمن وفق لتدبره ولحظ شهادة بعضه لبعض، فهذا مقصود هذه الآية، ولمجموع ما ذكرنا أعقبت بقوله: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا) (الأحزاب: ٣٨). وقد اتبعت الآية بذكر من سن سبحانه حكم هذه الآية لهم، وأنهم الرسل، عليه السلام، فقال: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ) (الأحزاب: ٣٩)، فتأمل هذا التعقيب، وقد قيل له، عليه السلام، في قوله تعالى: (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا) (الإسراء: ٧٧)، وقيل له: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: ٩٠)، وعرفنا ربنا سبحانه أن نبينا كذلك فعل فقال: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى: ٥٢).
وأما الآية الثانية فإنه سبحانه لما قال: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا * مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا) (الأحزاب: ٦٠ - ٦١) أتبع تعالى بالإخبار أن تلك سنته الجارية في الذين خلوا من قبل، وهذا كقوله: (سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ) (غافر: ٨٥)، فأعلم أنها سنته الجارية فيهم: (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا) (الأحزاب: ٦٢)، وقد تكرر هذا في مواضع من كتاب الله سبحانه، ووضح هذا التناسب في كل من الإعقابين، والله سبحانه أعلم بما أراد.
*****


الصفحة التالية
Icon