(إن) وثبت في القصص الأخر، فيسأل عن وجه القصاص في قصة إبراهيم دون غيرها بذلك؟
والجواب، والله أعلم: أنه تقدم في قصة إبراهيم بعينها قوله: (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصافات: ١٠٤ - ١٠٥)، ثم لما كرر ليبني عليه قوله: (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) (الصافات: ١١١)، كما في نظائره من ختام القصص الآخر كرر قوله (كذلك) لبناء علة الجزاء وموجبه عليه، كما تكرر قوله: (أنكم) في قوله: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) (المؤمنون: ٣٥)، (فكرر) (أنكم) تأكيداً ليبني عليه الخبر فكذلك كررت هنا الجملة (بأسرها) وهي قوله (كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) ليبني عليها ما ورد علة موجبه لجزائهم لتجري هذه القصة مجرى نظائرها، ولم يكرر حرف التأكيد والضمير المنصوب به إيجازاً واختصاراً لذكره فيما تقدم في القصة نفسها، فوضح أنه لا فرق بينها وبين ما اكتنفها من القصص الوارد فيها ذكر (إن) بوجه.
فإن قيل: ولم آخر قوله: (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) (الصافات: ١١١)، عن قوله أولاً (إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) (الصافات: ١٠٥) من الجمل الوارده مورد جمل الإعتراض إشادة بجلالة إبراهيم وإعلاماً بعظيم (جلاله فقال تعالى: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) (الصافات: ١٠٦)، ثم أكد) عظيم الإعتناء به فقال: (وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الصافات: ١٠٧ - ١٠٩)، ولما طال الكلام بما ورد تتميماً وتكميلاً لحاله، عليه السلام، وبعد عن قوله: (كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أعيد منه الجملة الواقعة خبراً لأن ينبني عليه ما بني على نظائره من قوله (إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ) فقصة إبراهيم عليه السلام، أوفى هذه القصص تعريفاً بكمال الحال، ولم ينقص منها شيء من الأخبار بصفة الجزاء وسببه كما في غيرها زاد فيها ما ورد اعتراضاً كما تبين وذلك لما زاد في قصته من عظيم ابتلاءه زياده والله أعلم بما اراد،
الآية الثالثة من سورة الصافات - غ - فقوله تعالى: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) (الصافات: ١٠١)، وفي الذاريات: (قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ) (الذاريات: ٢٨) والمبشر به واحد والقصة واحدة. فللسائل أن يسأل عن موجب إختلاف الصفتين في السورتين؟
والجواب أن موجب تخصيص الآية الأولى بصفة الحلم ما اقترن بها من قوله تعالى: (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى)


الصفحة التالية
Icon