ذلك فواصل (في كل من السورتين وإلا فالعقاب والوعيد حق على كل من هؤلاء المكذبين، فإنما روعي الفواصل)، فقوله قبل آية ص: (بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ (٨) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ) (ص: ٨ - ٩)، واستمرت وفاصل الآي هكذا إلا ما بعد الآية فاستجعى ذلك مناسبة الآية المتكلم فيها فقيل: (إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ) (ص: ١٤)، وأما آية ق فوسب بها أيضاً ما تقدم من قوله: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ) (ق: ٩) ثم قال: (وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ) (ق: ١٠) وورد أيضاً في الفواصل بعدها: (أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (ق: ١٥)، إلى بضع عشرة آية جارية في مقاطعها على ما ذكر، فناسب ذلك قوله: (كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ) (ق: ١٤) وجاء كل على ما يناسب، وذلك واضح.
الآية الثالثة من سورة ص: غ - قوله تعالى: (وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ *اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص: ١٦ - ١٧) وفي سورة الأحقاف: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) (الأحقاف: ٣٥) وفي سورة القلم: (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ) (القلم: ٤٨)، ورد في هذه السور الثلاث أمره ﷺ بالصبر، محالا في الأولى عل الاعتبار بحال داود وأبنائه وفي الثانية: على أولي العزم في أهتدائه وأقتدائه، وفي الثالثة منبهاً بالجار لذي النون في مغاضبته وندائه، والمتردد في غير هذه الآي إنما هو أمره، عليه السلام، فاصبر غير مناط بذكر أحد من الرسل، كقوله تعالى: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ) (النحل: ١٢٧)، وكقوله: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الكهف: ٢٨)، وقوله: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) (ق: ٣٩)، وقوله: (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا) (الطور: ٤٨)، إلى غير هذا من الآي، فللسال أن يسأل عن وجه ذلك؟ وعن اختصاص كل سورة من الثلاث بما ورد فيها إذ ليست الإحالة فيها على حد سواء؟ فهذان سؤالان.
والجواب عن السؤال، والله أعلم: أن تكرر أمره، عليه السلام، بالصبر في الآيات المترددة على كثرتها أدل دليل على الاعتناء به ﷺ لعظم أمر الصبر وشدة الحاجة إليه في كل مطلب ديني من أخذ أو ترك، ولهذا قال ﷺ في صفته: " الصبر ضياء"، وقال تعالى في قصة أيوب وحال أبتلائه: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ) (ص: ٤٤) وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزمر: ١٠)، وقال تعالى: