الله عليه وسلم: ولا يضيق صدرك بسبب إنكارهم لقولك ودينك فإنهم إن خالفوك فالأكابر من الأنبياء موافقوك، قلت: وهذا أضعف من الاول، لأنه، عليه الصلاة والسلام إنما يأنس بمصداقية من امته، وأيضاً فقد كان ذكر إبراهيم لو قصد هذا الغرض من الموافقة أنسب لتعظيم العرب إياه وللاتفاق عليه ولعظم خلته، وذكر وجه ثالثاً وهو أن الخصمين الذين دخلا على داود، عليه السلام، كانا من البشر، وإنما دخل عليه بقصد قتله، فخاف داود ومع ذلك لم يتعرض لإيذاهما ولا دعى عليهما بل استغفر لهما، فأمر نبيا عليه السلام أن يقتضي به في حسن الخلق. قلت: وهذا ضعيف كالذي قبله، وذكر الأمام أبو الفضل غير هذه الوجوه مما دون هذه في القوة ثم أعقب هذا بأن قال: ولي هنا وجه آخر أقوى وأحسن من كل ما تقدم، ثم أعتمد في هذا التوجيه على أن قوله تعالى: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ) ليس مما تقدمهم، وإنما هو وجه اتصاله به، وأن العقلاء قالوا من ابتلي بخصم جاهل مقر متعصب وراءه قد خاض في التعصب والاقرار وجب عليه أن يقطع الكلام معه في (تلك) المسئلة، لأنه كلما كان خوضه في تقريره أكثر كان بعده عن القبول أشد، فالوجه حين إذ أن يقطع الكلام معه في تلك المسئلة، وأن يؤخد في كلام آخر أجنبي عن المسئلة الأولى (بالكلية، ويطنب في ذلك الكلام الاجنبي، فإذا اشتغل خاطره بهذا الكلام الأجنبي ونسي تلك المسئل الأولى) أدرك له أثناء الكلام في هذا الفصل الأجنبي مقدمة تناسب ذلك المطلوب الأول، فيحصل عن ذلك تسليم المتعصب لهذه المقدمه، لذا اسلمها فحين إذ يتمسك بها في (ثبات) المطلوب الأول، فيتمكن من إنقيادة ويرجى رجوعه إلى ما طلب به أولاً، هذا معنى ما أرده أبو الفضل في هذا الفصل، ثم أشار إلى أن المدرج في هذا الكلام من المقدمة المناسبة إلى المطلب الأول لقوله تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا) (ص: ٢٧)، إلى قوله: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (ص: ٢٩) قلت: وعندي أن ما ذكره من هذا وأن العقلاء قالوه، إن كانت العرب تفعله ويعرف من كلامها إرتكابه فإن ما يكون - والله أعلم - على أوضح وأنسب مما ذكره، والذي اراه جارياً على هذا المنهج الذي آراه - والله أعلم - قوله تعالى: (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ (١) بَلْ عَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا شَيْءٌ عَجِيبٌ (٢) أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ) (ق: ١ - ٣) فهذا إنكار منهم للبعث الأخراوي واستبعاد، وهو نحو من الوارد في سورة ص، فأعقب تعالى ذلك بقوله مما يشبه الالتفات، وهو الذي زعم أبو الفضل أن العقلاء يرتكبونه عن لوز الخصم والأخذ فيما هو كالأجنبي، فقال تعالى: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا