والجواب عن ذلك: أن العرب تقول: أمرتك الخير وأمرتك بالخير، فعدي هذا الفعل بنفسه وبحرف الجر، وهو الأصل فيه، والحذف فصيح كثير، ويلحق إذ ذاك بباب أعطى وكسا في أحكامه، ومنه:
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فقد تركتك ذا مال وذا نشب
والآية من قوله: (أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ) مثل البيت، وإذ تقرر هذا فمفعول أمرت الأول - وهو الضمير - مقام مقام الفاعل، والثاني أن يكون وصل الفعل إليه بنفسه، والأصل بأن أكون. وأما قوله: (أُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ) فأقول إنه محذوف منه حرف الجر كالأول، تقديره: وأمرت بأن أكون، فحذف منه حرف الجر الذي هو أصل الفعل أن يصل به وهو الباء، وأما اللاّم في: (لِأَنْ أَكُونَ) فمبقاة من محذوف يفهمه سياق الكلام مع الحرف المبني من، تقديره: وأمرت لعلمي أولاً أن أكون أول المؤمنين. ألا ترى أن الوارد في الآيتين أمران: أولهما عام والثاني خاص، لأن أمره، عليه السلام، بالعبادة والإخلاص أمر له ولأمته. قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) (البينة: ٥)، فالآية من قبيل ما توجه فيه الخطاب له عليه السلام والمراد هو وأمته، والخطاب يأتي كذلك، ويأتي أوله خاص وآخره عام. ومنه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) (الطلاق: ١)، وإذا ورد بصورة الخصوص به كان أمراً ونهياً فأمته داخلة معه في ذلك الحكم ما لم ينص على خصوصه كقوله: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ) (الأحزاب: ٥٠)، فحكمه، عليه السلام، وحكم أمته في هذا واحد، ثم قال تعالى: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (الأحزاب: ٥٠)، فأفرده سبحانه بجواز الموجوبة بالنص على ذلك، ولولا قوله تعالى: (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) لكان حكم أمته في ذلك كحكمه، وإذ تقرر هذا فقوله: (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ) أمر خاص به، ولا يشركه فيه غيره، ونظير هذا قوله: (قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ) (الأنعام: ١٤)، والمعنى يحرز ذلك، بل لا يمكن خلافه، وذلك أن (الحكم من الأمر والنهي إذا جاء به المَلَك وتلقى منه ﷺ ما خوطب به وصدق به وأسلم وجهه لربه وبعد ذلك يتلقاه منه، عليه السلام، من حضره وخاطبه به، ولا طريق