يقولون: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) (فاطر: ٣٤)، وقد نقل منسوباً إلى أهل الكوفة أن الواو قد تزاد في الجواب في مثل هذا، وعليه عندهم ما ورد في مثل قول امرئ القيس:
فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى
قالو: قوله: وانتحى جواب (لما) والواو زائدة، وعند غيرهم أن قوله: (وانتحى) معطوف على (أجزنا)، والجواب محذوف أي أنسنا أو تحدثنا أو ما يحرز هذا المعنى، ومن محسنات الحذف الطول هنا وفي الآية الكريمة، ثم إن الآية قد اوضح مقصودها ما ورد في سورة ص.
فإن قيل: إن قوله في تقدير الجواب في البيت: أنسنا أو تحدثنا التقدير فليس ذلك بمعين، ولا يحذف الجواب أو الخبر أو ما يحذف إلا بعد أن يتعين؟ فلاجواب إنا لم نقدر ما يتغاير معناه، ولا شك أن المراد تعيينه إنما هو المعنى، ثم نحوم على ما نحصله من العبارة اللفظية مما يرجع إلى معنى واحد، هذا قول المحصلين، وهذا رد على من جعل خبر المبتدأ في قولهم: كل رجل وضعيته هذا المعطوف الذي: هو وضعيته، وقال إن الفائدة قد حصلت بذلك وتم الكلام، وتأول كلام سيبويه على هذا وقال: إن الذي قدره الفارسي وغيره، فقولهم واحد. فقال: تقدير سيبويه تقدير معنى، وإنما كلامنا في تقدير الإعراب وما يجوز حذفه من اللفظ وما لا يجوز، وجوابه أن سيبويه وأبا علي مومن قال بقولهما إنما اعتمدوا في الدلالة على أن الخبر محذوف ما تعطيه وتدل عليه واو مع في قوله: (وضيعته) التي اتفق الكل وأنت معهم أنها بمعنى (مع) فلدلت على معنى الالتزام، فلا مبالاة بالاختلاف في تقدير الألفاظ المترادفة ما لم يختلف المعنى، فتقدير مقرونان أن متلازمان أو متلاصقان إلى ما يحرز معنى الاجتماع الذي تعطيه وتقتضيه واو مع لاتضييق في ذلك، وشأن من اغتر بنظره فلم يتلبث، ولم يتهم نفسه، ولا بالي بمخالفته الجماهيير في كل صناعة، أنه قل ايصيب، والناس في هذه المسألة متفقون على ما اعتمده سيبويه والفارسي، ولم يجعل واحداً منهم خلافاً إلا ما زعمه هذا القائل، وقد خرج بنا (الكلام) إلى ما موضعه أولى به، وأما الآية فقد (وضح) أمرها، والحمد لله.
****