لئلا تقف فتضر معالمها ولا يتم لهم النفع بها، وهذا مع دحوها دحوا يتهيأ به التصرف والمشى فى مناكبها لمصالح الخليقه ومنافعهم، وجعل ماء البحر مالحا لئلا تتغير رائحته لطول مكثه، وتسخير الحيوان لتحريك مياه البحار من اسفلها، وتسخير الرياح المختلفه لتحريكها من اعلاها، فيحرز ذلك بقاء مياهها سالمه من النتن والجمود على مرور الايام وليصل العباد إلى منافعهم بالتصرف فيها إلى حيث شاؤوا باختلاف الرياح الحاملة (فيها) والمبددة لما يتصاعدمن أبخرة الخلق وانفاسهم، إذ لولا تبديدها لركدت فى الجو واضرت العالم، إلى تقلب فصول السنة بتصاعد الشمس من برج الجدى إلى سرطانها ثم انحدارها الى الجدى جريا محكم الترتيب لانتقال النبات بإذن الله، وإصلاح ابدان الحيوان، وإنضاج الفواكه وتهيئتها بالانتفاع بها. وتلوينها وترطيبها بحركة الشمس والقمر، إلى ما يقصر عن استيعابه الذكر، ذلك تقدير العزيز العليم، أفيتكون شئ من هذا بنفسه، أو يوجده نظيره ومماثله فى الافتقار والاضطرار؟ لقد شهدت الجمله ودلت أجزاؤها على الخالق المنزه عن سماتها، المتعالى عن شبهها، المتقدس عن الند والمثل والشريك والنظير، المنفرد بالخلق والتدبير، (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) (الانبياء: ٢٢) فحق اللآيه الكريمه المشيرة إلى ما وقع الإيماء إلى بعضه أن يكون ختامها: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (غافر: ٥٧).
ثم قال تعالى: (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ) (غافر: ٥٨) فضرب سبحانه المثل بذكر الاعمى والبصير، وهما حالا المعتبر بخلق السماوات والأرض وغير المعتبر، وحالا المؤمن الموفق للاعتبار والمسيئ بتركه، ثم أعقب بذكر الساعة التى لا يعلم كنهها إلا من الخبر الصدق، فحق لهذه الآيه أن يكون ختامها: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ) (غافر ٥٩). لو اعتبروا أولا ونظروا فى معجزات الرسل لوضح لهم صحة ما جاؤوا به وصدقوا بالساعة.
ثم أعقب من ذكر نعمه بجعل الليل سكنا لراحة الحيوان وسكونه والنهار مبصرا - أى يبصر فيه - لتصرف الخلق فى معائشهم، إلى ما ينجر فى الليل والنهار مما لا يحصى، وأوضحها ما نصت عليه الآيه، فحق لهذه أن يكون ختامها: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (غافر: ٦١)، فقد تبين مناسبة هذه الخواتم لما ختم به، والله سبحانه أعلم.
*****