(أو ثبوت أنه من عند الله كما هو) وكما قد علم من سعد بالإيمان به وإن كذبوه، فلا شك أن ذلك مرتكب شنيع وضلال بعيد، فجيء هنا بثم لتحرز عظيم اجترامهم وشنيع مرتكبه، فجاءت على ما يجب.
ولما قصد في آية الأحقاف زيادة شهادة عليهم بتصديق من تقرر عنده علم الكتاب المنزل قبل كتابنا، ممن يعرف علمه، فشهد بما عنده من العلم، أن هذا الذي جاء به محمد ﷺ إنما هو من عند الله، وكان ذلك أبين في الحجة عليهم فلم يرد بثم لاقتضائها مهلة لم تقصد هنا، وبيان النظم الجليل الوارد في الآية بما تقدره تقريباً لإفهامنا أن كأن قد قيل لهم: يا محمد أرأيتم إن كان القرآن من عند الله وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فكفرتم وآمن ذلك الشاهد واستكبرتم أنتم عن الإيمان فكيف تكون حالكم؟
واقتضى حكم هذا معنى الآية، ففي الكلام تقديم (وتأخير) اقتضاه جليل نظم الكتاب وعلى براعته، وإذا كان المعنى على تشريك ما تأخر في التركيب من قوله: وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله أن كان من عند الله لم يكن ليصبح بين المنسوقين المحمول أحدهما على الآخر بما يقتضي الجمع من غير فتور ولا مهلة الفصل بثم لأنها منافرة لهذا الغرض، فورد هذا بالواو ليحرز ما قررناه من المعنى، ووردت الآية الأولى بثم لتحرز معناها أيضاً، وجاء كل على ما يجب ويناسب، ولا يمكن خلافه، والله أعلم.
****