هذين الضربين ورد التحذير والإنذار، وهما الواردان في قوله تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) (النساء: ٣٦)، فأمر سبحانه بعبادته وأن لا يعبد معه غيره.
والجواب: أنه سبحانه لما قدم من المعتبرات الدالة على وجوده تعالى، وانفراده بالإيجاد والخلق ما قدم في السورة قبلها من قوله: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ) (ق: ٦) إلى قوله: (تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (ق: ٨)، ثم قال: (وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا) (ق: ٩) إلى قوله: (رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ) (ق: ١١)، ثم ذكر تعالى أخذه للمذكبين من القرون السالفة فقال: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ) (ق: ١٢) إلى قوله: (فَحَقَّ وَعِيدِ) (ق: ١٤)، ثم ذكر تعالى أنه خلق الإنسان، وعلمه تعالى بما توسوس به نفسه، وقربه تعالى منه قرب العلم والإحاطة لا قرب المكانية والمسافة، ثم ذكر إحصاء الحفظة على المكلفين ولزومهم إلى موت الإنسان وبعثه، ومجيء كل نفس في القايمة معها سائق وشهيد، ولم يقع عدول عن هذه الإنذارات والإخبارات الأخراوية والاعتبارات الجلية إلى قوله تعالى (إعلاماً) لنبيه ﷺ بمقال المدعويين وأمرا له بتذكيرهم بالقرآن فقال: (نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ) (ق: ٤٥)، ثم أقسم تعالى على صدق تلك المواعد والإخبارات فقال تعالى: (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا) (الذاريات: ١) إلى قوله: (إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ * وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ) (الذاريات: ٥ - ٦)، ثم سؤالهم عن يوم الحساب سؤال استهزاء واستعجال تكذيب فقال: (يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) (الذارات: ١٢)، إلى ذكر حالهم وحال المتقين، والإشارة إلى جزاء الفريقين، ثم أعقب بذكر الآيات في الأرض وفي أنفسنا وأن رزق العباد وما يوعدون في السماء، وأقسم تعالى على ذلك بقوله: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (الذاريات: ٢٣)، ثم اعترض سبحانه بذكر ضيق إبراهيم وقصتهم، ثم عطف على التذكار والتنبيه المتقدم في قوله: (وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ)، وقال: (وَفِي مُوسَى... ) (الذاريات: ٣٨)، فذكر إرساله، وأخذ فرعون وجنوده بتكذيبهم، ثم ذكر عاداً وأخذها، وثمود، وقوم نوح، واقتصر على ذكر تكذيبهم وأخذهم نبيهاً بأوالهم مرتبطاً بأول التنبيه بقوله: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ) (ق: ٦ - ٨)، وارتبط أول التنبيه بآخره معقباً بقوله: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (٤٧) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ) (الذاريات: ٤٧ - ٤٨)، فهذا من تمام قوله: (أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ... ) (ق: ٦). وقد ورد أثناء ذلك قوله