أعمالهم من غير فوات شئ، ثم ذكر تعالى جمعهم ليوم الجمع، ثم أنس المؤمنين فقال: " ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً "، وفي قوله تعالى: " ويعمل صالحاً " إشارة إلى المؤمنين الموعودين هنا، وليس من شرطهم استيفاء أعمال الطاعات إذ يحرز التنكير في قوله: " ويعمل صالحا" ويشعر بهذا المعنى، وما لم تكن العصمة فالتقصير حاصل، ولا انفكاك عن مجترجات، وقد سمع المؤمن " " لتنبؤون بما عملتم " فأشفق من تقصيره وهناته، وتوقع مخوف سيئاته، وتشوف إلى تعرف تفصيل الحال في المنبأ به من الأعمال ليعلم المآل، فوجوب على الكمال بكيفية ما به تقابل أعماله فقيل: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ) (التغابن: ٩) إذ لابد من محتاج إلى تكفيره إذا كانت السلامة وسبقت السعادة ثم قال: "ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار" إلى آخر الآية، فهذا وجه زيادة قوله تعالى: "يكفر عنه سيئاته" في هذه الآية. ويشهد لهذا المفهوم قوله تعالى: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ) (الأنبياء: ٩٤) إلى غيرها من الآيات.
وأما آية الطلاق فلا داعي فيها إلى زيادة قوله: "يكفر عنه سيئاته" بل سياقها يستدعي ألا يكون ذلك فيها لأن قبلها: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (الطلاق: ١٠)، والأمر بالتقوى يعم ولا يخص، ثم قال تعالى: (قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْرًا (١٠) رَسُولًا) (الطلاق: ١٠ - ١١) إلى قوله: (لِيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) (الطلاق: ١١)، أشار إلى النمط الأعلى من المؤمنين المستوفين أعمال الطاعات، أشار إلى ذلك لفظ: "الصالحات" بالألف واللام، وهذه حال المخلصين المحسنين (من المستجيبين)، ثم تدارك تعالى من لم يبلغ حال هؤلاء من المؤمنين ولحق بهم في النجاة فقال تعالى: (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ)، فناسب حال المتقدمين من ذوي الإحسان ألا يقع إفصاح يشعر بعصيان " هم القوم لا يشقي بهم جليسهم "، فوقع الاكتفاء بإيماء "ويعمل صالحاً " وقوله " يدخله جنات" وقوله: "قد أحسن الله له رزقا" (الطلاق: ١١) فجاء كل من الآيتين على ما يلائم ويناسب، ولم يكن ليناسب ورود العكس.
****


الصفحة التالية
Icon