فأشارت الآيات الأربع والأحاديث المشار إليها إلى أن هذا الضرب من المغيبات كأنها تلي في حالها الغيبي ما ذكر معها من أمر الساعة وللساعة خصوص ما تقتضيه " عند" كما تقدم، فهذا - والله أعلم - وجه انتظام هذه الغيوب الأربعة مع ذكر الساعة، وتحصل بهذا الاعتبار تفصيل الغيوب إلى عام وخاص وخاص من ذلك الخاص، وهذا الخاص الأخير لا يعلمه مطلقاً إلا المنفرد بعلمه سبحانه، ثم لا يحيط بالضربين قبله على ما أشير إليه من تفصيل أحكامها على الاستيفاء والإحاطة والحصر إلا هو سبحانه، وأنه تعالى المنفرد بكل الغيوب، ولا يعلمها أحد على ما هي عنده كما وضح قبل وتبين، ولم يبق للطاعنين مدخل بوجه ولا على حال.
وأما تخصيص آية سورة الجن بما ورد فيها فوجه ذلك - والله أعلم - إما لم تقدم من قول الجن في إخبار الله تعالى عنهم: (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا) (الجن: ٨ - ٩)، فلما تقدم هذا من قولهم وإخبارهم عما كانت الحال عليه قبل بعثة رسول الله صلي الله عليه وسلم، وأن في ذلك من قولهم واطلاعهم على الغيوب أو الكثير منها، أعلم تعالى أن من الغيب ما ليس لهم ولا لغيرهم مطمع في الإطلاع عليه، وأنهم في ترصدهم ومقاعدهم للسمع ممنوعون هم ومن سواهم عما انفرد بعلمه سبحانه وحكم أن لا يطلع عليه أحد من خلقه، فهذا وجه ورود هذه الآية هنا. وهنا انتهى ما ألهم الله تعالى إليه في هذه الآية مما تعرض إليه الإمام أبو الفضل رحمه الله وبسطناه بما يدفع ما يوهمه موجز كلامه في التمثيل للغيب المخصوص، فبسطته بما أرجو أنه مراده ودافع لما يعترض عليه فيه حين أجمل في إغفاله توجيه تخصيص الغيوب الأربعة بذكرها مع غيب الساعة في سورة لقمان ووجه اختصاص سورة الجن بالوارد فيها، وأتيت في ذلك بما ألهم الله سبحانه إليه، وأرجو أنه شاف إن شاء الله، وإن تحمل غفلة أو سهواً فأسأل الله عفوه في ذلك، وعذري أنى لم أجد في ذلك من تعرض لشئ من هذا إلا ما قدمت ذكره مع إشكال الأمر في ذلك)، والله سبحانه أعلم بما أراد.
****


الصفحة التالية
Icon