الضمير على ما تقدره من تأنيث وتذكير، وهذا كثير ومنه قول بعض العرب: فلان جاءته كتابي (فمزقها) فيسأل عن التأنيث في قوله: جاءته وفي قوله فمزقها فيقال: أليست بصحيفة، وقال تعالى: (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى) (البقرة: ٢٧٥).
وأما فواصل الآيتين ومقاطعهما فمراعي فيها موافقة ما اتصل بها للتناسب مع اتحاد المعنى، ألا تري صحة بناء ما في آية الإنسان على ما في آية المدثر لو قيل في الكلام إنه تذكرة فمن شاء ذكره فاتخذ إلى ربه سبيلا بتذكير ما ذكر به، ثم اقتضت الفواصل المناسبة. ولما اكتنفت آية المدثر فواصل تكون في الوقف هاء من لدن قوله تعالى: (كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) (المدثر: ٥٠ - ٥١) إلى قوله: (هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) (المدثر: ٥٦) ناسبها قوله: (فمن شاء ذكره). وأما آية سورة الإنسان فما قبلها وما بعدها من الفواصل مستدع أيضا ورود الهاء على ما وردت فقيل: (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) ليجري على ما تقدم في قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا) (الإنسان: ٢٣) وما بعد، ولم يكن ليناسب هنا ما ورد في سورة المدثر من قوله تعالى: (فمن شاء ذكره)، كما لا يناسب قوله تعالى: (فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا) ما ورد في سورة المدثر، فكل هذا لا إشكال فيه لرعي المناسبة وحصولها في كل من السورتين على أتم وجه، والله أعلم.
****