سورة النازعات
قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى) (النازعات: ٣٤)، (وقال) في سورة (فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ) (عبس: ٣٣) والمراد بهما القيامة. يسأل عن وجه افتراق العبارة؟ وهل كان يحسن ورود الصاخة هنا والطامة هناك؟
والجواب ن ذلك، والله أعلم: أن الطامة والصاخة وإن أريد بهما في السورتين شئ واحد فإن اسم الطامة أرهب وأنبأ بأهوال القيامة لأنها من قولهم طم السبل إذا علا وغلب. وأما الصاخة فالصيحة الشديدة من قولهم صخ بأذنيه مثل أصاخ فاستعيرت من أسماء القيامة مجازاً لأن الناس يصيخون لها، فلما كانت الطامة أبلغ في الإشارة إلى أهوالها خص بها أبلغ الصورتين في التخويف والإنذار، وعلى ذلك بنيت سورة النازعات، ألا ترى قوله: (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) (النازعات: ٦ - ٧) ووصف الطامة بالكبرى، وما أتبع به بعد، وابتداء السورة وختامها، فكلها تخويف وترهيب، فناسبها أشد العبارتين موقعاً وأرهبها.
وأما سورة عبس وتولى فلم تبن على ذلك الغرض وإنما بنيت على قصة عبد الله بن أم مكتوم الأعمى، وذلك مشهور، ثم ورد قوله: (فإذا جاءت الصاخة) عقب التذكير بقوله: (كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) (عبس: ١١) والتحريك للاعتبار بقوله: (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ) (عبس: ٢٤) إلى قوله: (مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ) (عبس: ٣٢)، ثم اتبع بعد ذكر الصاخة بقوله (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ) (عبس: ٣٨ - ٣٩). فسورة "النازعات" على الجملة أشد في التخويف والترهيب فناسبها أبلغ العبارتين من أسماء القيامة في التخويف (والإنذار بحالها، وليست سورة " عبس وتولى "كسورة "النازعات " في التخويف) والترهيب فناسبها إيراد اسم القيامة بالصاخة، إذ ليس في الإرهاب كالطامة فجاء كل على ما يناسب، ولا يناسب عكس الوارد على ما تمهد، والله أعلم.
******