كُوِّرَتْ) (التكوير: ١) إلى آخر قوله: (وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ) (التكوير: ١٣) الأهوال، من لدن ابتداء نفخة الصعق، إلى انتهاء تلك المقامات بتسعير الجحيم، وإزلاف الجنة، وهو عبارة عن إدنائها لداخلها، وجئ بتلك الإخبارات منسوقة بالواو المقتضية الجمع حتى كأن تلك المقامات قد عبر (عنها) بلفظ واحد وتحصلت حاضرة للتصور الذهني، ناسب ذلك تقدير الأعمال المترتب عليها الجزاء حاضرة والعبارة عنها بما يحصل ذلك، فقيل: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) (التكوير: ١٤)، وكأن قد قيل: إذا حضرت هذه الأهوال مدركة للعيان حضرت أعمالكم بالتذكير لها ومطالعتها مكتوبة محصورة في الصحف التى لا تغادر صغير ولا كبيرة إلا محصاة فيها، يبين هذا قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (٣٤) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى) (النازعات: ٣٤ - ٣٥) وقوله تعالى: (وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا) (الكهف ٤٩).
أما الآية الثانية فإنه لما كان قوله: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) (التكوير: ١٤) غير مفصح باستيفاء أعمال الخلائق جئ بهذه الآية بعدها مشيرة إلى الحصر بما أشير إليه من ضبط طرفي أعمال المكلفين فقيل: (عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ) (التكوير: ١٤) من متقدم عملها ومتأخرة، واقتضى التناسب تقدم الإحضار حيث ذكر، وتأخير ذكر التقديم والتأخير حيث ذكر، واتصل كل بما يشاكله ويلائمه، ولا يمكن سواه، إذ التعريف بالإحضار والحصر بذكر ما قدم وما أخر مقصود، معتمد، إما أن يذكر ذلك على الاستيفاء في كل من السورتين من غير تفصيل، وذلك تكرار من غير داع ولا مسوغ له، وأما أن يذكر مفصلاً على غير ما ورد وذلك غير مناسب، فلم يبق إلا وروده على أتم الملائمة والمناسبة، وهذا على رعي ترتيب القرآن على ما تقرر عليه، فعرفت الآيتان بإحصاء الأعمال المحضرة ما تقدم منها وما تأخر أي ما عمله المكلف في أول عمره وبدء تكليفه وفي آخر عمره وختم عمله كما أخبر تعالى من قوله كما أخبر تعالى من قول المجرمين: (مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا) (الكهف: ٤٩) فقدم ذكر إحضارها أولا ليناسب به ما تقدم، وآخر ذكر إحصائها ليعلم بالحصر والإستيفاء، وجاء كل على ما يناسب، والله سبحانه أعلم بما أراد.
****