يردّ ابن جرير قول مجاهد هذا فيقول: «وهذا القول الذى قاله مجاهد قول لظاهر ما دل عليه كتاب الله مخالف» (١).
والطبرى هنا يميل إلى الأخذ بالمذهب الظاهر من لفظ القرآن فحين أن الحق قد يكون مع مجاهد، فلا سبيل إلى القطع إذن بأن مراد الله تعالى فى هذا هو المسخ الحقيقى أو المسخ المجازى.
٢ - أو يرجح بين قولين فيختار أحدهما دون الآخر كما فى قوله تعالى: تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ فيها قولان، ولكل قول منها روايات:
الأول: أنا أول المؤمنين بك من قومى أن لا يراك فى الدنيا أحد إلا هلك. فيأتى الطبرى بأسانيده على ذكر من قال ذلك وهم: أبو العالية، والربيع، ومجاهد، وابن عباس.
الثانى: أنا أول المؤمنين بك من بنى إسرائيل. فيذكر أن ذلك قول عكرمة، ومجاهد فى رواية أخرى عن ابن عباس. ثم يختار الطبرى القول الثانى ويعلل هذا الاختيار بقوله: «لأنه كان قبله فى بنى إسرائيل مؤمنون وأنبياء منهم من ولد إسرائيل لصلبه، وكانوا مؤمنين وأنبياء فلذلك اخترنا القول الذى قلناه قبل» (٢).
رابعها: يحتكم الإمام الطبرى إلى اللغة، والمعروف من كلام العرب عند ما يجد أن الآراء تتعاوض مع المفهوم اللغوى، وهذا له من النماذج فى تفسير الطبرى الشيء الكثير.
ويدخل فى هذا المنهج احتكام الطبرى إلى الشعر القديم، وهذا أيضا شواهده كثيرة يلمسها الطالب عند ما يضع الكتاب عمليا بين يديه، ويقلب فى صفحاته جزءا جزءا.

(١) جامع البيان ١/ ٢٥٢.
(٢) جامع البيان ٩/ ٥٥ - ٥٦.


الصفحة التالية
Icon