وأما أصحاب الفطر السقيمة، والعقول القاصرة، فلم يبلغوا هذا المبلغ فتخبطوا فى دياناتهم خبط عشواء متحلقين حول صنم لا ينفع ولا يضر، أو متجهين إلى كوكب مصيره الأفول، أو إلى نار يوقدها بنفسه لتنطفئ وتخلف رمادا لا طائل من ورائه لعابد ولا ناسك.
أو حائرين حول فلسفات عقلية، أو مناظرات ومجادلات عقيمة لا تؤدى إلى نتيجة قاطعة.
فكان من رحمة الله الخالق المدبر أن أرسل رسله مبشرين، هادين ومرشدين ولم يترك عباده لعقولهم وأهوائهم تلعب بهم:
وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١).
* فبعث فى كل أمة رسولا منهم ليعرفوه:
وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ (٢).
* يتكلم بلسانهم، ويخاطبهم بلغتهم ليفهموا عنه، ويبين لهم، ليعوا ما يقول:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ (٣).
* يعلمهم أنهم مخلوقون لله جل شأنه، خلقهم ليعرفوه فيعبدوه، وهم محتاجون له وهو غنى عنهم:
وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ما أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (٤).
ومنذ ذلك الوقت البعيد: تنزّل الوحى، على رسل مختارة بعناية الله لهداية الأمم والأقوام، والتقت السماء بالأرض، والملائكة بالأنبياء تحمل معها كتب
(٢) النحل: ٣٦.
(٣) إبراهيم: ٤.
(٤) الذاريات: ٥٦ - ٥٨