أما الأول: وهو تعدد الروايات فى سبب نزول آية واحدة؛ وهذه لها ثلاث صور:
(١) الصورة الأولى: أن تكون الروايات الواردة فى سبب نزول الآية الواحدة كلها بصيغ غير صريحة فى سبب النزول كأن يقول كل راو: «نزلت هذه الآية فى كذا» أو «أحسبها نزلت فى كذا».
فهذه الصورة لا تعارض فيها، لأن المراد بها التفسير وليس ذكر سبب النزول.
إلا فى حالة واحدة: وهى ما إذا قامت قرينة على أحد هذه الأسباب بأنه فى سبب النزول فحينئذ تتعين هذه الرواية من بين أخواتها لأن تتقدم على الأخريات.
(٢) الصورة الثانية: أن تكون الروايات المتعددة فى سبب نزول آية واحدة بعضها صريح الصيغة فى الدلالة على سبب النزول، وبعضها غير صريح، فحينئذ يتعين تقديم الرواية المصرحة بسبب النزول على غيرها.
ومثال ذلك قول الله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ (١).
فقد تعددت الروايات فى سبب نزولها بعضها مصرح بسببه كحديث جابر- رضى الله عنه- قال: «كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من خلفها فى قبلها جاء الولد أحول، فنزلت نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ (٢).
وبعضها غير مصرح به كما جاء عن نافع قال: «قرأت ذات يوم نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فقال ابن عمر: أتدري فيم أنزلت هذه الآية؟ قلت: لا، قال: نزلت فى إتيان النساء فى أدبارهن».
فهذه الصيغة من ابن عمر غير صريحة فى السببية، فتقدم رواية جابر لصراحتها بأسباب النزول.
(٢) أسباب النزول للواحدى ص ٦٢.