والجواب: إنما كان ذلك ليظهر به مقدار طاعة هذه الأمة فى المسارعة إلى بذل النفوس بطريق الظن من غير طلب أو إلحاح لطريق مقطوع به، فيسرعون إلى الاستجابة بأيسر شىء كما سارع الخليل إلى ذبح ولده بمنام، والمنام أدنى طرق الوحى (١).
وبعض أهل العلم ينكر هذا النوع من النسخ، لأن الأخبار فيه أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال قرآن ونسخه بأخبار آحاد.
وقد يقال: كيف يقع النسخ إلى غير بدل، والله تعالى يقول ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها. وهذا وجه ليس له بدل من مثله؟
ويجاب عن ذلك: بأن كل ما ثبت الآن فى القرآن ولم ينسخ فهو بدل مما قد نسخت تلاوته، وكل ما نسخه الله من القرآن مما لا نعلمه الآن، فقد أبدله بما علمناه، وتواتر إلينا لفظه ومعناه (٢).
الثانى: نسخ الحكم وبقاء التلاوة:
ومثاله: نسخ حكم آية العدة بالحول مع بقاء تلاوة الناسخ والمنسوخ وهذا النوع هو الذى ألفت فيه الكتب، وذكر المؤلفون فيه الآيات المتعددة، وإن حقق العلماء أنها معدودة، بل ومحصورة فى زهاء عشرين آية.
وقد يقال: ما الحكمة فى رفع الحكم وبقاء التلاوة؟
والجواب من وجهين: أحدهما: أن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه والعمل به فإنه يتلى كذلك لكونه كلام الله تعالى فيثاب عليه فتركت تلاوته لذلك.

(١) البرهان للزركشى ٢/ ٣٥.
(٢) الإتقان للسيوطى ٣/ ٧٧.


الصفحة التالية
Icon