أصحاب الرأى الثانى: يثبتون النسخ على أنه وإن كان «بداء» فالبداء عندهم جائز على الله تعالى. تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وهم الروافض، وقد استدلوا على ذلك بقوله تعالى يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ (١)، على أساس أن الآية تظهر لله المحو والإثبات، وهذا تحريف للمعنى الموجود فى الآية: إذ المعنى البين من الآية هو: ينسخ الله ما يستصوب نسخه، ويثبت بدله ما يرى فيه المصلحة فى إثباته: وهذا المعنى ثابت فى حالات كثيرة من القرآن كقوله تعالى:
إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ (٢). ومحو الكفر والمعاصى بالتوبة.
أصحاب الرأى الثالث: يجيزون النسخ عقلا، ويمنعون وقوعه شرعا.
وهذا رأى أبى مسلم الأصفهانى: محمد بن بحر المعتزلى المتوفى سنة ٣٢٢ هـ، وهو أول من قال بفكرة التخصيص بدلا من النسخ، واحتج بقوله تعالى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٣).
ووجه استدلاله بها أنه جعلها على معنى أن أحكامه لا تبطل أبدا، مع أن المفهوم من الآية أن القرآن لم يتقدمه ما يبطله من الكتب، ولن يجئ بعده ما يبطله.
أصحاب الرأى الرابع: قالوا بجواز النسخ عقلا، ووقوعه شرعا.
أما الشرع: أ- فقوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤).
ب- ما ورد فى الصحيح عن ابن عباس- رضى الله عنهما- أن عمر-

(١) ٣٩: الرعد.
(٢) ١١٤: هود.
(٣) ٤٢: فصلت.
(٤) ١٠٦: البقرة.


الصفحة التالية
Icon