علم ابن عباس- رضى الله عنه-
حظى ابن عباس بموهبة علمية فذّة جعلته على درجة عالية من الاجتهاد، ومعرفة تامة بالفقه ومعانى كتاب الله العزيز مما جعل شخصية عظيمة مثل شخصية عمر بن الخطاب الخليفة الثانى- رضى الله عنه- يرفع منزلته عنده ويدنيه منه ويقربه من مجالس كبار الصحابة ومتقدميهم فى السن والمنزلة، حتى أن ابن عباس- رضى الله عنه- يقدم لنا بنفسه هذه الصورة فى بيانه التالى الذى نقله البخارى إلينا.
«كان عمر يدخلنى مع أشياخ بدر، فكأن بعضهم وجد فى نفسه، وقال: لم تدخل هذا معنا وإن لنا أبناء مثله؟ فقال عمر: إنه من أعلمكم فدعاهم ذات يوم، فأدخلنى معهم، فما رأيت أنه دعانى يومئذ إلا ليريهم، فقال: ما تقولون فى قول الله تعالى: إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا: فقال لى: أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت: لا. فقال: ما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعلمه الله فقال إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وذلك علامة أجلك فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً فقال عمر: ما أعلم منها إلا ما تقول» (١).
لم يصل ابن عباس إلى هذه المنزلة إلا بشيئين هامين:
الأول: دعاء النبى صلّى الله عليه وسلّم له: «اللهم فقهه فى الدين وعلمه التأويل» (٢).
الثانى: دأبه على تحصيل العلم فقد مكث يعقل النبوة والوحى ثمانى سنوات على الأقل فى بيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عند خالته أم المؤمنين «ميمونة» فنهل من بيت النبوة فى تلك الفترة ما شاء الله له أن ينهل (٣).
وبعد أن لحق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بربه انصرف ابن عباس إلى كبار الصحابة يستزيد
(٢) صحيح البخارى بشرح فتح البارى ١/ ١٣٨.
(٣) التفسير والمفسرون لمحمد حسين الذهبى ١/ ٦٨.