تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قوما غَيْركُمْ} يَقُولُ: يَهْلِكَكُمْ بِالْعَذَابِ، وَيَسْتَبْدِلُ قَوْمًا غَيْركُمْ ﴿وَلَا تضروه شَيْئا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ هَذَا حِينَ أُمِرُوا بِغَزْوَةِ تَبُوكَ فِي الصَّيْفِ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ، وَاشْتَهَوْا الظِّلَّ، وشق عَلَيْهِم الْخُرُوج.
﴿إِلَّا تنصروه﴾ يَعْنِي: النَّبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم ﴿فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذين كفرُوا﴾ مِنْ مَكَّةَ ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هما فِي الْغَار﴾ وَذَلِكَ أَنَّ قُرَيْشًا اجْتَمَعُوا فِي دَارِ النَّدْوَةِ، فَتَآمَرُوا بِالنَّبِيِّ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى مَا قَالَ عَدُوُّ اللَّهِ أَبُو جَهْلٍ؛ وَقَدْ فَسَّرْنَا ذَلِكَ فِي سُورَةِ الأَنْفَالِ فَأَوْحَى اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - إِلَيْهِ؛ فَخَرَجَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ لَيْلا؛ حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْغَارِ، فَطَلَبَهُ الْمُشْرِكُونَ فَلَمْ يَجِدُوهُ فَطَلَبُوا، [... ] وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرٍ دَخَلَ الْغَارَ قَبْلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَسَ الْغَارَ فَنَظَرَ مَا بِهِ؛ لِئَلا يَكُونُ فِيهِ سبعٌ أَوْ حيةٌ يَقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْغَارَ، وَأَخَذَتْ يمامةٌ فَوَضَعَتْ عَلَى بَابِ الْغَارِ فَجَعَلا يَسْتَمِعَانِ وَقْعَ حَوَافِرِ دَوَابِّ الْمُشْرِكِينَ فِي طَلَبِهِمَا، فَجَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَبْكِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قَالَ: أَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ عَلَيْكَ الْمُشْرِكُونَ فَيَقْتُلُوكَ؛ فَلا يُعْبَدُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بَعْدَكَ أَبَدًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ وَجعل أَبُو بكر يمسح (ل ١٢٧) الدُّمُوعَ عَنْ خَدِّهِ ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سكينته عَلَيْهِ﴾.
قَالَ الْحَسَنُ: السَّكِينَةُ: الْوَقَارُ.
قَالَ محمدٌ: وَهِيَ مِنَ السُّكُونِ؛ الْمَعْنَى: أَنَّهُ أَلْقَى فِي قَلْبِهِ مَا سَكَنَ بِهِ،


الصفحة التالية
Icon