لَا أَنَّهُمْ طَلَبُوهُ وَأَخَذُوهُ لِذَلِكَ، وَمَثْلُهُ مِنَ الْكَلَامِ قَوْلُهُمْ لِلَّذِي كَسَبَ مَالًا؛ فَأَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْهَلَاكِ: إِنَّمَا كَسَبَ فُلَانُ لِحَتْفِهِ، وَهُوَ لَمْ يَطْلُبِ الْمَالَ لِحَتْفِهِ، وَلَكِنْ صَارَ الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ وَهَذِهِ اللَّامُ يُسَمِّيهَا بَعْضُ النَّحْوِييِّنَ لَام الصيرورة.
﴿وَقَالَت امْرَأَة فِرْعَوْن قُرَّة عين لي وَلَك﴾ تَقُولُهُ لِفِرْعَوْنَ. قَالَ قَتَادَةُ: أُلْقِيَتْ عَلَيْهِ رَحْمَتُهَا حِينَ أَبْصَرَتْهُ ﴿لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَنَّ هَلَاكَهُمْ عَلَى يَدَيْهِ وَفِي زَمَانه
﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا﴾ تَفْسِيرُ قَتَادَةَ: أَيْ: فَارِغًا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، غَيْرِ ذِكْرِ مُوسَى لَا تَذْكُرُ غَيْرَهُ ﴿إِنْ كَادَتْ لتبدي بِهِ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: لِتُبَيِّنَ أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ شِدَّةِ وَجْدِهَا ﴿لَوْلا أَنْ ربطنا على قَلبهَا﴾ بِالْإِيمَانِ.
قَالَ مُحَمَّدٌ: الرَّبْطُ عَلَى الْقَلْبِ: إِلْهَامُ الصَّبْرِ وَتَشْدِيدُهُ وَتَقْوِيَتُهُ.
﴿وَقَالَت﴾ أم مُوسَى ﴿لأخته﴾ لأخت مُوسَى ﴿قصيه﴾ أَيْ: اتْبَعِي أَثَرَهُ ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جنب﴾ أَيْ: مِنْ بَعِيدٍ ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أَنَّهَا أُخْتُهُ؛ جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَكَأَنَّهَا لَا تريده
﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: جَعَلَ لَا يُؤْتَى بِامْرَأَةٍ إِلَّا لَمْ يَأْخُذْ ثَدْيَهَا ﴿فَقَالَت هَل أدلكم﴾ أَلَا أَدُلُّكُمْ ﴿عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يكفلونه لكم﴾ أَي: يضمونه فيرضعونه
﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ يَعْنِي: الَّذِي قُذِفَ فِي قَلْبِهَا ﴿وَلَكِن أَكْثَرهم لَا يعلمُونَ﴾ يَعْنِي: جَمَاعَتهمْ.
سُورَة الْقَصَص من (آيَة ١٤ - آيَة ١٩).