فَأخْبرهُ أَن سَمِعَ يُونُس يبكي. وَيَقُول: يأتيكم الْعَذَاب غَدا، فَلَمَّا سَمِعَ ذَلكَ الْملك دَعَا قومه، فَأخْبرهُم بذلك، وَقَالَ: إِن كَانَ هَذَا حقًّا فسيأتيكم الْعَذَاب غَدا، فَاجْتمعُوا حَتَّى نَنْظُر فِي أمرنَا، فَاجْتمعُوا فَخَرجُوا من الْمَدِينَة من الْغَد، فنظروا فَإِذا بِظُلمةٍ وريحٍ شَدِيدَة قد أَقبلت نحوهم، فَعَلمُوا أَنَّهُ الحقُّ، ففرّقوا بَين الصّبيان وأمهاتهم وَبَين الْبَهَائِم وَبَين أمهاتها، ولبسوا الشَّعر وَجعلُوا الرماد وَالتُّرَاب عَلَى رُءُوسهم تواضُعًا لله، وتضرَّعوا إِلَيْهِ وَبكوا وآمنوا، فصرف اللَّه عَنْهُمُ الْعَذَاب، وَاشْترط بعضُهم عَلَى بعضٍ أَلا يكذب أحدُهم كذبة إِلَّا قطعُوا لِسَانه، فجَاء يُونُس من الْغَد فَنظر فَإِذا الْمَدِينَة عَلَى حَالهَا، وَإِذا النَّاس داخلون وخارجون؛ فَقَالَ: أَمرنِي رَبِّي أَن أخبر قومِي أَن الْعَذَاب يَأْتِيهم غَدا فَلم يَأْتهمْ، فَكيف ألقاهم؟ ﴿فَانْطَلق حَتَّى أَتَى سَاحل الْبَحْر؛ فَإِذا بسفينة فِي الْبَحْر؛ فَأَشَارَ إِلَيْهِم فَأتوهُ فَحَمَلُوهُ وَلَا يعرفونه، فَانْطَلق إِلَى نَاحيَة من السَّفِينَة فتقنَّع ورقد، فَمَا مضوا إِلَّا قَلِيلا حَتَّى جَاءَتْهُم ريحٌ كَادَت السفينةُ تغرق، فَاجْتمع أهلُ السَّفِينَة ودعوا اللَّه ثمَّ قَالُوا: أيقظوا الرجل يَدْعُو مَعنا﴾ فَفَعَلُوا فَدفع اللَّه عَنْهُمْ تِلْكَ الرّيح، ثمَّ انْطلق إِلَى مَكَانَهُ فرقد، فَجَاءَت ريحٌ كَادَت السَّفِينَة تغرق، فأيقظوه ودعوا اللَّه فارتفعت الرّيح، فتفكر العَبْد الصَّالح فَقَالَ: هَذَا من خطيئتي! أَو كَمَا قَالَ، فَقَالَ لأهل السَّفِينَة (شُدوني) وثاقًا وألقوني فِي الْبَحْر، فَقَالُوا: مَا كُنَّا لنفعل وحالُك حالُك، وَلَكنَّا نقترع فَمن أَصَابَته القرعةُ ألقيناه فِي الْبَحْر، فاقترعوا فأصابته الْقرعَة، فَقَالَ: قد أَخْبَرتكُم. فَقَالُوا: مَا كُنَّا لنفعل وَلَكِن اقترعوا، فاقترعوا الثَّانِيَة فأصابته الرعة، ثمَّ اقترعوا الثَّالِثَة؛ فأصابته الْقرعَة وَهُوَ قَول اللَّه: ﴿فَسَاهَمَ فَكَانَ من المدحضين﴾ [يُرِيد: المسهومين] أَي: وَقع السهْم عَلَيْهِ.