ثالثا: وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: "كُنَّا فِي مَسِيرٍ لَنَا فَنَزَلْنَا، فَجَاءَتْ جَارِيَةٌ فقالت: إنَّ سيّد الحي سليم (أي لديغ) وإنَّ نَفَرَنَا غُيَّب فَهَلْ مِنْكُمْ رَاقٍ؟ فَقَامَ معها رجل ما كنا نأبنه (ما كنا نأبنه: أي نعيبه أو نتهمه) برقيه، فرقاه فبرأ، فَأَمَرَ لَهُ بِثَلَاثِينَ شَاةً، وَسَقَانَا لَبَنًا، فَلَمَّا رجع قلنا له: أكنت تحسن؟ أَوْ كُنْتَ تَرْقِي؟ قَالَ: لَا، مَا رقيتُ إلاّ بأثم الْكِتَابِ، قُلْنَا: لَا تُحَدِّثُوا شَيْئًا حَتَّى نَأْتِيَ أَوْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَاهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «وَمَا كَانَ يُدْرِيهِ أنها رُقْية؟ إقسموا واضربوا لي بسهم» (رواه البخاري ومسلم وأبو داود، وفي بعض روايات مسلمز أن (أبا سعيد الخدري) وهو الذي رقى ذلك اللديغ).
رابعاً: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدَهُ جِبْرِيلُ، إِذْ سَمِعَ نَقِيضًا فَوْقَهُ، فَرَفَعَ جِبْرِيلُ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَقَالَ: هَذَا بَابٌ قَدْ فُتِحَ مِنَ السَّمَاءِ مَا فُتِحَ قط، قال: فنزل منه ملك، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ قد أوتيتهما لم يؤتهما نبيٌ قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لم تقرأ حرفاً منها إلأ أوتيته" (رواه مسلم والنسائي عن ابن عباس. ومعنى قوله (نقيضا) أي صوتاً).
خامساً: وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةً لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَهِيَ خِداجٌ - ثَلَاثًا - غَيْرُ تَمَامٍ» فَقِيلَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ: إنّا نكون وراء الإمام؟ فقال: اقْرَأْ بِهَا فِي نَفْسِكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ قَالَ اللَّهُ: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: ﴿الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ قَالَ اللَّهُ: أَثْنَى عليَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: ﴿مَالِكِ يَوْمِ الدين﴾ قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي، وَقَالَ مَرَّةً: فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ: ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضآلين﴾ قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل «(رواه مسلم عن أبي هريرة)
»
الكلام على ما يختص بهذا الحديث مما يختص بالفاتحة"
أولا: أَطْلَقَ فِيهِ لَفْظَ «الصَّلَاةِ» وَالْمُرَادُ الْقِرَاءَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا﴾ أي بقراءتك، فَدَلَّ عَلَى عِظَمِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَأَنَّهَا من أكبر أركانها، كَمَا أَطْلَقَ لَفْظَ الْقِرَاءَةِ وَالْمُرَادُ بِهِ الصَّلَاةُ في قوله ﴿وَقُرْآنَ الفجر﴾ والمراد صلاة الفجر.
ثانيا: واختلفوا في مسألة وهي: هل تتعيّن للقراءة في الصلاة فاتحة الكتاب أم يجزىء غيرها؟ على قولين مشهورين:
ا - فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهَا لَا تَتَعَيَّنُ، بَلْ مَهْمَا قَرَأَ بِهِ من القرآن أجزأه، واستدلوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرآن﴾ وبما ثبت في الصحيحين من حديث المسيء صلاته، وفيه أَنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


الصفحة التالية
Icon