مِّنْ القراء: يتعوذ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ، وَاعْتَمَدُوا عَلَى ظَاهِرِ سِيَاقِ الْآيَةِ. والمشهور الذي عليه الجمهور: أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة لدفع الموسوس عنها، ومعنى الآية ﴿فإذا قرأت القرآن﴾ أي إذا أردت القراءة، كقوله تعالى: ﴿إِذَا قُمْتُمْ إلى الصلاة فاغسلوا﴾ أي إذا أردتم القيام، ويدل عليه ما روي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذا قام من الليل استفتح صلاته بالتكبير والثناء ثُمَّ يَقُولُ: «أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، من همزة ونفخة ونفثه» (رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري وأخرجه أصحاب السنن الأربعة)
وَمَعْنَى: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» أَيْ أَسْتَجِيرُ بِجَنَابِ اللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ أَنْ يَضُرَّنِي فِي دِينِي أَوْ دُنْيَايَ، أَوْ يَصُدَّنِي عن فعل ما أُمرت به، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَكُفُّهُ عَنِ الْإِنْسَانِ إِلَّا الله، والاستعاذة: هي الإلتجاء إلى الله تعالى مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي شَرٍّ، وَالْعِيَاذَةُ تَكُونُ لدفع الشر، واللياذُ يكون لطلب الْخَيْرِ كَمَا قَالَ الْمُتَنَبِّي:
يَا مَنْ ألوذُ بِهِ فِيمَا أُؤَمِّلُهُ * وَمَنْ أَعُوذُ بِهِ مِمَّا أُحَاذِرُهُ
لَا يجبرُ الناسُ عَظْمًا أَنْتَ كَاسِرُهُ * وَلَا يَهِيضُونَ عَظْمًا أنت جابره
و (الشيطان) فِي لُغَةِ الْعَرَبِ مُشْتَقٌّ مِنْ شَطَنَ إِذَا بعد، فهو بعيد بفسقه عن كل خير، وقيل: من شاط لأنه مخلوق من نار والأول أصح، قال سِيبَوَيْهِ: الْعَرَبُ تَقُولُ: تَشَيْطَنَ فلانُ إِذَا فعلَ فعل الشياطين، ولو كان من شاط لقالوا: تشيط، فالشيطان مُشْتَقٌّ مِنَ الْبُعْدِ عَلَى الصَّحِيحِ وَلِهَذَا يُسَمُّونَ كل متمرد من جني وإنسي وحيوانٍ «شيطانا» قال تعالى ﴿شَيَاطِينَ الإنس والجن﴾ وركب عمر برذوناً فجعل يتبختر به، فضربه فلم يزدد إِلَّا تَبَخْتُرًا، فَنَزَلَ عَنْهُ وَقَالَ: مَا حَمَلْتُمُونِي إلا على شيطان لقد أنكرت نفسي (رواه ابن وهب عن زيد بن أسلم عن أبيه وإسناده صحيح)
و (الرجيم) فَعِيلٌ. بِمَعْنَى مَفْعُولٍ، أَيْ أَنَّهُ مرجومٌ مطرودٌ عن الخير كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً للشياطين﴾ وقال تعالى: ﴿وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ. إِلَّا مَنِ استرق السمع فأتبعه شهاب مبين﴾.
- ١ - بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير البسملة
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَانَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عليه ﴿بِسمِ الله الرحمن الرحيم﴾ (رواه أبو داود بإسناد صحيح وأخرجه الحاكم في مستدركه)
وقد افتتح بها الصحابة كتاب الله، ولهذا تُستحب في أول كل قولٍ وعمل لقوله عليه السلام: «كُلُّ أَمْرٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم فهو أجذم» فتستحب في أول الوضوء لقوله عليه السلام: «لَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرِ