على الناس زمان يقرؤون القرآن فيقرؤونه وَيَعْلَمُونَهُ، فَيَقُولُونَ قَدْ قَرَأْنَا وَقَدْ عَلِمْنَا فَمَنْ هَذَا الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنَّا؟ فَمَا فِي أُولَئِكَ مِنْ خَيْرٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فمن أولئك؟ قال: «أولئك منكم، أولئك هم وقود النار» (رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه)
وقوله تعالى: ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ﴾ قال ابْنِ عَبَّاسٍ: كَصَنِيعِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَذَا رُوِيَ عن عكرمة ومجاهد والضحَّاك وَغَيْرِ وَاحِدٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: كَسُنَّةِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَكَفِعْلِ آلِ فِرْعَوْنَ وَكَشَبَهِ آلِ فِرْعَوْنَ، وَالْأَلْفَاظُ مُتَقَارِبَةٌ والدَّأب - بِالتَّسْكِينِ وَالتَّحْرِيكِ أَيْضًا كنَهَر ونَهْر - هو الصنيع والحال والشأن وَالْأَمْرُ وَالْعَادَةُ، كَمَا يُقَالُ: لَا يَزَالُ هَذَا دأبي ودأبك، وقال امرؤ القيس:
كَدَأْبِكَ مِنْ أُمِّ الْحُوَيْرِثِ قَبْلَهَا * وَجَارَتِهَا أَمِّ الرَّبَابِ بِمَأْسَلِ
وَالْمَعْنَى كَعَادَتِكَ فِي أُمِّ الْحُوَيْرِثِ حِينَ أهلكتَ نَفْسَكَ فِي حُبِّهَا وَبَكَيْتَ دَارَهَا وَرَسْمَهَا! وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ: إنَّ الْكَافِرِينَ لَا تغني عنهم الأموال ولا الأولاد، بَلْ يَهْلَكُونَ وَيُعَذَّبُونَ كَمَا جَرَى لِآلِ فِرْعَوْنَ ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاؤوا به مِنْ آيَاتِ الله وحججه: ﴿وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ أَيْ شَدِيدُ الْأَخْذِ، أَلِيمُ الْعَذَابِ، لَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ أَحَدٌ، وَلَا يَفُوتُهُ شَيْءٌ، بَلْ هُوَ الْفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ الَّذِي قد غلب كُلُّ شَيْءٍ، لَا إِلَهَ غَيْرُهُ وَلَا رَبَّ سواه.
- ١٢ - قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ
- ١٣ - قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَآءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الْأَبْصَارِ
يَقُولُ تَعَالَى: قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِلْكَافِرِينَ ﴿سَتُغْلَبُونَ﴾ أَيْ فِي الدُّنْيَا، ﴿وَتُحْشَرُونَ﴾ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ. وقد ذكر محمد بن إسحاق أن رسول الله ﷺ لَمَّا أَصَابَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ مَا أَصَابَ، وَرَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ جَمَعَ الْيَهُودَ فِي سُوقِ (بني قينقاع) وقال: «يا معشر اليهود أسلموا قبل أَن يُصِيبَكُمُ الله بما أَصَابَ قُرَيْشًا» فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ لَا يَغُرَّنَّكَ مِنْ نَفْسِكَ أَنْ قَتَلْتَ نَفَرًا مِنْ قُرَيْشٍ كانوا أغمارً لَا يَعْرِفُونَ الْقِتَالَ، إِنَّكَ وَاللَّهِ لَوْ قَاتَلْتَنَا لَعَرَفْتَ أَنَّا نَحْنُ النَّاسُ وَأَنَّكَ لَمْ تَلْقَ مثلنا فأنزل الله في ذلك من قوله: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿لَعِبْرَةً لأُوْلِي الْأَبْصَارِ﴾ (أخرجه محمد بن إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس) وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ﴾ أَيْ قَدْ كَانَ لَكُمْ أَيُّهَا الْيَهُودُ الْقَائِلُونَ مَا قُلْتُمْ آيَةً، أَيْ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ مُعِزٌّ دِينَهُ، وَنَاصِرٌ رَسُولَهُ، وَمُظْهِرٌ كَلِمَتَهُ، ومعلن أَمْرَهُ ﴿فِي فِئَتَيْنِ﴾ أَيْ طَائِفَتَيْنِ ﴿الْتَقَتَا﴾ أَيْ للقتال، ﴿فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ﴾ وَهْمْ مُشْرِكُو قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَوْلُهُ: ﴿يَرَوْنَهُمْ مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ العين﴾، قال بعض العلماء: يرى المشكون يَوْمَ بَدْرٍ الْمُسْلِمِينَ مِثْلَيْهِمْ فِي الْعَدَدِ