قاصداً إلى الإيمان ﴿وَمَا كان من المشركين﴾ وَهَذِهِ الْآيَةُ كَالَّتِي تَقَدَّمَتْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: ﴿وَقَالُواْ كُونُواْ هودا أو نصارى تهتدوا﴾ الآية، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ يَقُولُ تَعَالَى: أَحَقُّ النَّاسِ بِمُتَابَعَةِ إبراهيم الخليل الذين اتبعواه عَلَى دِينِهِ ﴿وَهَذَا النَّبِيُّ﴾ يَعْنِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ أَصْحَابِهِ المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بعدهم. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ، قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لكل نبي ولاية مِنَ النَّبِيِّينَ وَإِنَّ وَلِيِّي مِنْهُمْ - أَبِي وَخَلِيلُ ربي عز وجل - إبراهيم عليه السلام»، ثُمَّ قَرَأَ: إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النبي والذين آمَنُواْ} (أخرجه وكيع في تفسيره) الآية، وَقَوْلُهُ: ﴿وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ﴾ أَيْ وَلِيُّ جَمِيعِ المؤمنين برسله.
- ٦٩ - وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ
- ٧٠ - يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ
- ٧١ - يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ
- ٧٢ - وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أهل الكتاب آمنوا بالذي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
- ٧٣ - وَلاَ تُؤْمِنُوا إِلاَّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
- ٧٤ - يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ حَسَدِ الْيَهُودِ لِلْمُؤْمِنِينَ وَبَغْيِهِمْ إِيَّاهُمُ الْإِضْلَالَ، وَأَخْبَرَ أَنَّ وَبَالَ ذَلِكَ إِنَّمَا يَعُودُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ أَنَّهُمْ مَمْكُورٌ بِهِمْ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَيْهِمْ: ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ﴾ أَيْ تَعْلَمُونَ صِدْقَهَا وَتَتَحَقَّقُونَ حَقَّهَا، ﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أَيْ تَكْتُمُونَ مَا فِي كُتُبِكُمْ مِنْ صِفَةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنت تَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَتَتَحَقَّقُونَهُ، ﴿وَقَالَتْ طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكتاب آمنوا بالذي أُنْزِلَ عَلَى الذين آمَنُواْ وَجْهَ النهار واكفروا آخِرَهُ﴾ الآية. وهذه مَكِيدَةٌ أَرَادُوهَا لِيَلْبِسُوا عَلَى الضُّعَفَاءِ مِنَ النَّاسِ أَمْرَ دِينِهِمْ، وَهُوَ أَنَّهُمُ اشتَوَروا بَيْنَهُمْ أَنْ يظهروا الإيمان أول النهار، ويصلوا مع المسليمن صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَإِذَا جَاءَ آخِرُ النَّهَارِ ارْتَدُّوا إِلَى دِينِهِمْ، لِيَقُولَ الْجَهَلَةُ مِنَ النَّاسِ إِنَّمَا رَدَّهُمْ إِلَى دِينِهِمُ اطِّلَاعُهُمْ عَلَى نَقِيصَةٍ وَعَيْبٍ فِي دِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا قَالُوا: ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ قال مجاهد: يعني يهوداً صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الصبح، وَكَفَرُوا آخِرَ النَّهَارِ مَكْرًا مِنْهُمْ، لِيُرُوا النَّاسَ أن قد بدت لهم الضلالة منه بعد أن كانوا اتبعوه، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا لَقِيتُمْ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ أَوَّلَ النَّهَارِ فَآمِنُوا، وَإِذَا كَانَ آخِرُهُ فَصَلُّوا صَلَاتَكُمْ، لَعَلَّهُمْ يَقُولُونَ هؤلاء أهل الكتاب وهم أعلم منا.