الْآيَةِ أَنَّ النِّكَاحَ وَمِلْكَ الْيَمِينِ فِي هَؤُلَاءِ كلهن سواء، وكذلك يَجِبُ أَنْ يَكُونَ نَظَرًا وَقِيَاسًا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ وَالرَّبَائِبِ، وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ وَهُمُ الْحُجَّةُ الْمَحْجُوجُ بِهَا مَنْ خَالَفَهَا وشذ عنها.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ أي وحرم عليكم من الْأَجْنَبِيَّاتُ الْمُحْصَنَاتُ وَهُنَّ الْمُزَوَّجَاتُ ﴿إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ﴾ يَعْنِي إِلَّا مَا مَلَكْتُمُوهُنَّ بِالسَّبْيِ فَإِنَّهُ يَحِلُّ لَكُمْ وَطْؤُهُنَّ إِذَا اسْتَبْرَأْتُمُوهُنَّ فَإِنَّ الْآيَةَ نزلت في ذلك، وقال الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: أصبنا سبياً مِنْ سَبْيِ أَوْطَاسَ، وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ فَكَرِهْنَا أَنْ نَقَعَ عَلَيْهِنَّ وَلَهُنَّ أَزْوَاجٌ، فَسَأَلْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إلاّ مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ فاستحللنا فروجهن. وفي رواية مسلم أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم أصابوا سبياً يَوْمَ أَوَطَاسَ لَهُنَّ أَزْوَاجٌ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ، فكان أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفُّوا وَتَأَثَّمُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ قَالَ: فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النساء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أَيْمَانُكُمْ﴾ وَقَدْ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ إِلَى أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ يَكُونُ طَلَاقًا لَهَا مِنْ زَوْجِهَا أخذاً بعموم هذه الآية، وقال ابن جرير: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ: بَيْعُهَا طَلَاقُهَا وَيَتْلُو هذه الآية: ﴿والمحصنات من النساء إلا مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ وعن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إِذَا بِيعَتِ الْأَمَةُ وَلَهَا زوج فسيدها أحق ببضعها وعن ابن المسيب قوله: ﴿المحصنات مِنَ النساء﴾، قال: هذه ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ حَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحَهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ يمينك فبيعها طلاقها.
فهذا قول هؤلاء من السلف وَقَدْ خَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَرَأَوْا أَنَّ بيع الأمة ليس طلاقاً لها، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَائِبٌ عَنِ الْبَائِعِ، وَالْبَائِعَ كَانَ قَدْ أَخْرَجَ عَنْ مِلْكِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ وَبَاعَهَا مَسْلُوبَةً عَنْهَا، وَاعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ عَلَى حَدِيثِ بَرِيرَةَ الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، فَإِنَّ عَائِشَةَ أمّ المؤمنين اشترتها وأعتقتها وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا مِنْ زَوْجِهَا مُغِيثٍ، بَلْ خيّرها رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْبَقَاءِ، فَاخْتَارَتِ الْفَسْخَ وَقِصَّتُهَا مَشْهُورَةٌ فَلَوْ كَانَ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ مَآ خَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا خَيَّرَهَا دَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ الْمَسْبِيَّاتُ فَقَطْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ قِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ يَعْنِي الْعَفَائِفَ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَمْلِكُوا عِصْمَتَهُنَّ بِنِكَاحٍ وَشُهُودٍ وَمُهُورٍ وَوَلِيٍّ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا، حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَطَاوُسٍ وَغَيْرُهُمَا، وَقَالَ عُمَرُ وَعُبَيْدَةُ: ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ مَا عَدَا الْأَرْبَعِ حَرَامٌ عليكم إلا مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.
وقوله تعالى: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ أَيْ هَذَا التَّحْرِيمُ كِتَابٌ كتبه الله عليكم، يعني الأربع فَالْزَمُوا كِتَابَهُ، وَلَا تَخْرُجُوا عَنْ حُدُودِهِ، وَالْزَمُوا شرعه وما فرضه. وقال عطاء وَالسُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ يَعْنِي الْأَرْبَعَ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: ﴿كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ يَعْنِي ما حرم عليكم، وقوله تعالى: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ أَيْ مَا عدا من ذكرن مِنَ الْمَحَارِمِ هُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ، قَالَهُ عَطَاءٌ وغيره، وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾: يعني مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، وهذه الآية الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنِ احْتَجَّ عَلَى تَحْلِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَقَوْلِ مَنْ قَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آية وحرمتهما آية، وقوله تعالى: ﴿وَإِن تبتغوا بأمواركم مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾ أَيْ تَحَصَّلُوا بِأَمْوَالِكُمْ مِنَ الزَّوْجَاتِ إِلَى أَرْبَعٍ، أَوِ السَّرَارِي مَا شِئْتُمْ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ﴾.
(يتبع... )
(تابع... ١): ٢٣ - حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وبنات الأخ......
وقوله تعالى: ﴿فَمَا استمعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أجورهم فَرِيضَةً﴾ أي كما تستمعون بهن فآتوهن مهورهن


الصفحة التالية
Icon