مَيْلًا عَظِيمًا. ﴿يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ أي في شرائعه وأوامره ونواهي وما يقدره لكم، ولهذا أباح الإماء بشروط كما قال مجاهد وغيره، {وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾ فَنَاسَبَهُ التَّخْفِيفُ لِضِعْفِهِ فِي نَفْسِهِ وضعف عزمه وهمته. وقال: طاووس: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً﴾ أَيْ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ، وَقَالَ وكيع: يذهب عقله عندهن، وقال موسى عليه السلام لنبينا محمد ﷺ ليلة الإسراء. مَاذَا فَرَضَ عَلَيْكُمْ؟ فَقَالَ: أَمَرَنِي بِخَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ، فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ النَّاسَ قَبْلَكَ عَلَى مَا هُوَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ فَعَجَزُوا، وَإِنَّ أُمَّتَكَ أَضْعَفُ أَسْمَاعًا وَأَبْصَارًا وَقُلُوبًا؛ فَرَجَعَ فَوَضَعَ عَشْرًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مُوسَى فَلَمْ يزل كذلك حتى بقيت خمساً.
- ٢٩ - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً
- ٣٠ - وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَاراً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا
- ٣١ - إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً
ينهى تَبَارَكَ وَتَعَالَى عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنِ أَنْ يَأْكُلُوا أَمْوَالَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا بِالْبَاطِلِ، أَيْ بِأَنْوَاعِ الْمَكَاسِبِ الَّتِي هِيَ غَيْرُ شَرْعِيَّةٍ كَأَنْوَاعِ الرِّبَا وَالْقِمَارِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ سَائِرِ صُنُوفِ الحيل، وإن ظهرت في قلب الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مِمَّا يَعْلَمُ اللَّهُ أَنَّ مُتَعَاطِيَهَا إِنَّمَا يُرِيدُ الْحِيلَةَ عَلَى الرِّبَا، حَتَّى قَالَ ابن جرير، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي مِنَ الرَّجُلِ الثَّوْبَ فَيَقُولُ: إِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ وَإِلَّا رددت مَعَهُ دِرْهَمًا، قَالَ: هُوَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ فيه: ﴿ولا تأكلوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بالباطل﴾ وعن علقمة بن عبد الله في الآية قال: إنها مَحْكَمَةٌ مَا نُسِخَتْ وَلَا تُنْسَخُ إِلَى يَوْمِ القيامة، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾ قَالَ الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ نَهَانَا أَنْ نَأْكُلَ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا بِالْبَاطِلِ وَالطَّعَامُ هُوَ أَفْضَلُ أموالنا، فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِنَّا أَنْ يَأْكُلَ عِنْدَ أَحَدٍ فَكَيْفَ لِلنَّاسِ؟! فَأَنْزَلَ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ: ﴿لَّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ﴾ الآية.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ﴾ الاستثناء مُنْقَطِعٌ كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا تَتَعَاطَوُا الْأَسْبَابَ الْمُحَرَّمَةَ فِي اكْتِسَابِ الْأَمْوَالِ، لَكِنَّ الْمَتَاجِرَ الْمَشْرُوعَةَ الَّتِي تَكُونُ عَنْ تَرَاضٍ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَافْعَلُوهَا، وَتَسَبَّبُوا بِهَا فِي تَحْصِيلِ الْأَمْوَالِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بالحق﴾، وَكَقَوْلِهِ: ﴿لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولَى﴾، ومن هذه الآية الكريمة احتج الشافعي عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْبَيْعُ إِلَّا بِالْقَبُولِ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى التَّرَاضِي نَصًّا بِخِلَافِ الْمُعَاطَاةِ فإنها قد لا تدل على الرضا، وَخَالَفَ الْجُمْهُورَ فِي ذَلِكَ (مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وأحمد) فَرَأَوْا أَنَّ الْأَقْوَالَ كَمَا تَدُلُّ عَلَى التَّرَاضِي، فكذلك الْأَفْعَالُ تَدُلُّ فِي بَعْضِ الْمَحَالِّ قَطْعًا، فَصَحَّحُوا بَيْعَ الْمُعَاطَاةِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَصِحُّ فِي الْمُحَقَّرَاتِ وَفِيمَا يَعُدُّهُ النَّاسُ بَيْعًا، وَهُوَ احْتِيَاطُ نَظَرٍ مِنْ مُحَقِّقِي الْمَذْهَبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وقال مُجَاهِدٌ: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ﴾ بَيْعًا أَوْ عَطَاءً يُعْطِيهِ أَحَدٌ أَحَدًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْبَيْعُ عَنْ تَرَاضٍ، وَالْخِيَارُ بَعْدَ الصَّفْقَةِ، وَلَا يحل لمسلم أن يغش مسلماً» (أخرجه ابن جرير وهو حديث مرسل" هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ، وَمِنْ تَمَامِ التَّرَاضِي


الصفحة التالية
Icon