(حديث آخر): عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْإِضْرَارُ فِي الْوَصِيَّةِ من الكبائر»، قال ابن أبي حاتم: هو صحيح عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ (حَدِيثٌ آخَرُ في ذلك): قال ابن جرير عن أبي أمامة: أن أناساً مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذكروا الكبائر وهو متكىء فقالوا: الشرك بالله، وأكل مال اليتيم، والفرار مِنَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَقَوْلُ الزُّورِ، وَالْغُلُولُ، وَالسِّحْرُ، وَأَكْلُ الرِّبَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَأَيْنَ تَجْعَلُونَ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قليلاُ»؟ إلى آخر الآية (قال ابن كثير: فِي إِسْنَادِهِ ضَعْفٌ وَهُوَ حَسَنٌ)
(ذِكْرُ أَقْوَالِ السلف في ذلك) قال ابن جرير عن الحسن: أنا نَاسًا سَأَلُوا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو بِمِصْرَ، فقالوا: نرى أشاياء من كتاب الله عزَّ وجلَّ أمر أن يعمل بها لا يُعْمَلُ بِهَا، فَأَرَدْنَا أَنْ نَلْقَى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ في ذلك فقدم وقدموا معه، فلقي عمر رضي الله عنه، فقال: متىقدمت؟ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: أبإذنٍ قَدِمْتَ؟ قَالَ: فَلَا أَدْرِي كَيْفَ رَدَّ عَلَيْهِ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ نَاسًا لَقَوْنِي بِمِصْرَ، فَقَالُوا: إنا نرى أشياء في كتبا اللَّهِ أَمَرَ أَنْ يُعْمَلَ بِهَا فَلَا يُعْمَلُ بها، فأحبوا أن يلقوك في ذلك. قال فاجمعهم لِي قَالَ: فَجَمَعْتُهُمْ لَهُ. قَالَ ابْنُ عَوْنٍ - أَظُنُّهُ قَالَ فِي بَهْوٍ -: فَأَخَذَ أَدْنَاهُمْ رَجُلًا فقال: أنشدك بالله بحق الْإِسْلَامِ عَلَيْكَ، أَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قال: فهل أحصيته في نفسك؟ فقال: اللَّهُمَّ لَا، قَالَ: وَلَوْ قَالَ نَعَمْ لَخَصَمَهُ. قَالَ: فَهَلْ أَحْصَيْتَهُ فِي بَصَرِكَ؟ فَهَلْ أَحْصَيْتَهُ في لفظك؟ هل أحصيته في أثرك؟ ثم تتبعهم حتى أتى علي آخرهم، فقال: ثكلت عُمَرَ أُمُّهُ أَتُكَلِّفُونَهُ أَنْ يُقِيمَ النَّاسَ عَلَى كتاب الله؟ قد علم ربنا أن سَتَكُونُ لَنَا سَيِّئَاتٌ، قَالَ: وَتَلَا ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ﴾ الآية. ثُمَّ قَالَ: هَلْ عَلِمَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ؟ أَوْ قَالَ: هَلْ عَلِمَ أَحَدٌ بِمَا قَدِمْتُمْ؟ قَالُوا: لا، قال: لو علموا لوعظت بكم (أخرجه ابن جرير وقال ابن كثير: إسناد صحيح ومتن حسن)
(أَقْوَالُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي ذَلِكَ)
رَوَى ابْنُ جرير عَنْ طَاوُسٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: أَرَأَيْتَ الْكَبَائِرَ السَّبْعَ الَّتِي ذَكَرَهُنَّ اللَّهُ مَا هُنَّ؟ قَالَ: هُنَّ إِلَى السَّبْعِينَ أَدْنَى مِنْهُنَّ إِلَى سَبْعٍ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قِيلَ: لِابْنِ عَبَّاسٍ الْكَبَائِرُ سَبْعٌ؟ قَالَ: هُنَّ إلى السبعين أقرب؛ وقال ابن جرير عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ النب عَبَّاسٍ: كَمِ الْكَبَائِرُ، سَبْعٌ؟ قَالَ: هُنَّ إِلَى سَبْعِمِائَةٍ أَقْرَبُ مِنْهَا إِلَى سَبْعٍ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ: وَلَا صَغِيرَةَ مَعَ إصرار. وعن ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ ﴿إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ قَالَ: الْكَبَائِرُ كُلُّ ذَنْبٍ خَتَمَهُ اللَّهُ بِنَارٍ، أَوْ غَضِبَ، أَوْ لَعْنَةٍ، أو عذاب. وسئل ابن عباس عن الكبائر فقال: كل شيء عصي الله به فهو كبيرة. وَقَدِ اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ فِي حَدِّ الْكَبِيرَةِ، فَمِنْ قَائِلٍ: هِيَ مَا عَلَيْهِ حَدٌّ فِي الشَّرْعِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هِيَ مَا عليه وعيد مخصوص مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ أبو القاسم عبد الكريم الرافعي في كتابه