وَصَاحِبِهِ إِذَا غَضِبَ، قَالَ: لَا تَقُلْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم يقول: "كان في بني إسرائيل رجلان أحدهما مجتهد فِي الْعِبَادَةِ، وَكَانَ الْآخَرُ مُسْرِفًا عَلَى نَفْسِهِ، وَكَانَا مُتَآخِيَيْنِ، وَكَانَ الْمُجْتَهِدُ لَا يَزَالُ يَرَى الآخر على الذنب فَيَقُولُ: يَا هَذَا أَقْصِرْ، فَيَقُولُ: خلِّني وَرَبِّي أبعثت عليّ رقيباً؟ إِلَى أَنْ رَآهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ اسْتَعْظَمَهُ، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ أَقْصِرْ، قَالَ: خلِّني وَرَبِّي، أَبُعِثْتَ عليَّ رَقِيبًا؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ الله لك ولا يُدْخِلُكَ الْجَنَّةَ أَبَدًا، قَالَ: فَبَعَثَ اللَّهُ إِلَيْهِمَا مَلَكًا فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا وَاجْتَمَعَا عِنْدَهُ، فَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ لِلْآخَرِ: أَكُنْتَ عَالِمًا أَكُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا؟ اذهبوا به إلى النار. قال: والذي نفس أبي القاسم بيده إنه لتكلم بكلمة أو بقت دنياه وآخرته".
- ٤٩ - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً
- ٥٠ - انظُرْ كَيفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْماً مُبِينًا
- ٥١ - أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً
- ٥٢ - أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَّصِيراً
قَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ - وَهِيَ قَوْلُهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ - فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى حِينَ قَالُوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وأحباؤه، وفي قولهم ﴿لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أو نصارى﴾، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانُوا يُقَدِّمُونَ الصِّبْيَانَ أَمَامَهُمْ فِي الدعاء والصلاة يؤمونهم ويزعمون أنهم لا ذنوب لهم، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ وَذَلِكَ أَنَّ الْيَهُودَ قَالُوا: إن أبناءنا توفوا وهم لنا قربة ويشفعون لنا ويزكوننا، فأنزل الله على محمد: ﴿أم تَرَ إِلَى الذين يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ الآية. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: قَالُوا لَيْسَ لَنَا ذُنُوبٌ كَمَا ليس لأبنائنا ذنوب، فأنزل اللَّهُ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ فِيهِمْ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي ذَمِّ التَّمَادُحِ وَالتَّزْكِيَةِ؛ وفي صحيح مُسْلِمٍ عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نحثوا في وجوه المداحين التراب، وفي الصحيحين عن عبد الله بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يُثْنِي عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ: «وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ» ثُمَّ قَالَ: إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا صَاحِبَهُ لَا مَحَالَةَ فَلْيَقُلْ أَحْسَبُهُ كَذَا وَلَا يزكي على الله أحداً"، وروى ابن مردويه عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إِنْ أَخْوَفَ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ إِعْجَابُ الْمَرْءِ بِرَأْيِهِ، فَمَنْ قَالَ إنه مُؤْمِنٌ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ قَالَ هُوَ عَالَمٌ فَهُوَ جَاهِلٌ، وَمَنْ قَالَ هُوَ فِي الْجَنَّةِ فهو في النار، وقال الإمام أحمد عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: كَانَ مُعَاوِيَةُ قَلَّمَا كان يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وكان قلما يكاد يَدَعَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ أَنْ يُحَدِّثَ بِهِنَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهُهُ فِي الدِّينِ، وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ حُلْوٌ خَضِرٌ، فمن يأخذه بحقه يبارك فيه، وإياكم والتمادح فإنه الذبح» وقال ابن جرير قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إِنَّ الرَّجُلَ ليغدوا بِدِينِهِ ثُمَّ يَرْجِعُ وَمَا مَعَهُ مِنْهُ شَيْءٌ يلقى الرجل ليس يملك له ضراً ولا نفعاً فيقول له إنك والله كيت وكيت فلعله أن يرجع ولم يحظ مِنْ حَاجَتِهِ بِشَيْءٍ وَقَدْ أَسْخَطَ اللَّهَ ثُمَّ قَرَأَ: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ﴾ الآية ولهذا قال