مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ الْوَحْيِ مما يفتريه من القول (في «اللباب»: أخرج ابن جرير نزلت: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شيء﴾ في مسليمة، ونزلت: ﴿وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَآ أَنَزلَ اللَّهُ﴾ في عبد الله بن سعد، كَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيغير فيما يمليه عليه الرسول، وعن السدي: أنه كان يقول: إن كان محمد يوحى إليه فقد أوحي إلي، وإن كان الله ينزله فقد أنزلت مثل ما أنزل. قال محمد: سميعاً عليماً، فقلت أنا: عليماً حكيماً)، كقوله تَعَالَى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مثل هذا﴾ الآية. قال الله تَعَالَى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾ أي في سكراته وغمراته وكرباته، ﴿والملائكة باسطوا أَيْدِيهِمْ﴾ أي بالضرب، كقوله: ﴿لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي﴾ الآية، وقوله: ﴿يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسوء﴾ الآية، وقال الضحاك: ﴿باسطوا أَيْدِيهِمْ﴾ أي بالعذاب، كقوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾، ولهذا قال: ﴿والملائكة باسطوا أَيْدِيهِمْ﴾ أَيْ بِالضَّرْبِ لَهُمْ حَتَّى تَخْرُجَ أَنْفُسُهُمْ مِنْ أَجْسَادِهِمْ، وَلِهَذَا يَقُولُونَ لَهُمْ: ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ﴾، وَذَلِكَ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا احْتَضَرَ بَشَّرَتْهُ الْمَلَائِكَةُ بِالْعَذَابِ وَالنَّكَالِ وَالْأَغْلَالِ وَالسَّلَاسِلِ وَالْجَحِيمِ وَالْحَمِيمِ وَغَضَبِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَتَتَفَرَّقُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، وَتَعْصَى وَتَأْبَى الْخُرُوجَ، فَتَضْرِبُهُمُ الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تَخْرُجَ أَرْوَاحُهُمْ مِنْ أَجْسَادِهِمْ، قَائِلِينَ لَهُمْ: ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى الله غَيْرَ الحق﴾ الآية، أَيِ الْيَوْمَ تُهَانُونَ غَايَةَ الْإِهَانَةِ كَمَا كُنْتُمْ تكذبون على الله وتستكبرون اتباع آياته والانقياد لرسله، وقد وردت الأحاديث المتواترة فِي كَيْفِيَّةِ احْتِضَارِ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ، وَهِيَ مُقَرَّرَةٌ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾.
وقوله تَعَالَى: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾، أي يُقال لهم يوم معادهم (في «اللباب»: أخرج ابن جرير وغيره: قال النضر بن الحارث: سوف تشفع لي اللات والعزى، فنزلت هذه الآية) هذا، كما قال: ﴿وَعُرِضُواْ على رَبِّكَ لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ أَيْ كَمَا بَدَأْنَاكُمْ أَعَدْنَاكُمْ، وَقَدْ كُنْتُمْ تُنْكِرُونَ ذَلِكَ وَتَسْتَبْعِدُونَهُ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ أَيْ مِنَ النِّعَمِ وَالْأَمْوَالِ الَّتِي اقْتَنَيْتُمُوهَا فِي الدَّارِ الدُّنْيَا وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ، وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قَالَ: "يَقُولُ ابْنُ آدَمَ: مَالِي مَالِي! وَهَلْ لَكَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَوْ لبست فأبليت، أو تصدقت فأبقيت؟ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ". وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يُؤْتَى بِابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كأنه بزج فيقول الله عزَّ وجلَّ: أَيْنَ مَا جَمَعْتَ؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ جَمَعْتُهُ وتركته أوفر ما كان، فيقول له: يا ابن آدم أين مَا قَدَّمْتَ لِنَفْسِكَ؟ فَلَا يَرَاهُ قَدَّمَ شَيْئًا، وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ﴾ الآية، وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ﴾ تَقْرِيعٌ لَهُمْ وَتَوْبِيخٌ عَلَى ما كانوا اتخذوا في الدنيا من الأنداد والأصنام والأوثان، ظانين أنها تَنْفَعُهُمْ فِي مَعَاشِهِمْ وَمَعَادِهِمْ إِنْ كَانَ ثَمَّ معاد، فإن كان يوم القيامة تقطعت بهم الْأَسْبَابُ وَانْزَاحَ الضَّلَالُ، وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يفترون، ويناديهم الرب جلَّ جلاله على رؤوس الخلائق: ﴿أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الذين كُنتُمْ تزعمون؟﴾ ويقال لَهُمْ: ﴿أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله هَلْ يَنصُرُونَكُمْ أَوْ ينتصرون؟﴾