مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلَا تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾، وعن عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ﴾ أَرْسَلَتْ فَارِسُ إِلَى قُرَيْشٍ أَنْ خَاصِمُوا محمداً وقولوا له: فما تَذْبَحُ أَنْتَ بِيَدِكَ بِسِكِّينٍ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا ذَبَحَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ بِشِمْشِيرٍ مِنْ ذَهَبٍ يَعْنِي الْمَيْتَةَ فَهُوَ حَرَامٌ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ (رواه الطبراني من حديث الحكم بن أبان) أي وإن الشياطين من فارس ليوحون إلى أوليائهم من قريش، وقال أبو داود عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ﴾ يَقُولُونَ: مَا ذَبَحَ اللَّهُ فَلَا تَأْكُلُوهُ وَمَا ذَبَحْتُمْ أَنْتُمْ فَكُلُوهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عليه﴾ (رواه أبو داود وابن ماجه، قال ابن كثير: وهذا إسناد صحيح)، وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ المشركين قالوا للمسلمين: كيف تزعمون أنكم تتبعون مرضاة الله فما قتل الله فلا تأكلونه وما ذبحتم أنتم تأكلونه؟ فقال الله تعالى: وإن أطعتموهم - في أكل الميتة ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ وهكذا قال مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَاءِ السَّلَفِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَإِن أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ أَيْ حَيْثُ عَدَلْتُمْ عَنْ أَمْرِ اللَّهِ لَكُمْ وَشَرْعِهِ إِلَى قَوْلِ غَيْرِهِ فَقَدَّمْتُمْ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، فَهَذَا هو الشرك، كقوله تَعَالَى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ الله﴾ الآية، وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ فِي تَفْسِيرِهَا عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ما عبدوهم، فقال: «بَلَى إِنَّهُمْ أَحَلُّوا لَهُمُ الْحَرَامَ، وَحَرَّمُوا عَلَيْهِمُ الْحَلَالَ، فاتبعوهم فذلك عبادتهم إياهم».
- ١٢٢ - أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِ الَّذِي كَانَ مَيْتًا أَيْ فِي الضَّلَالَةِ هَالِكًا حَائِرًا، فَأَحْيَاهُ اللَّهُ، أَيْ أَحْيَا قَلْبَهُ بالإيمان وهداه وَوَفَّقَهُ لِاتِّبَاعِ رُسُلِهِ، ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ أي يهتدي كَيْفَ يَسْلُكُ وَكَيْفَ يَتَصَرَّفُ بِهِ، وَالنُّورُ هُوَ القرآن، كما روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْإِسْلَامُ، وَالْكُلُّ صَحِيحٌ، ﴿كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ﴾ أَيِ الْجَهَالَاتِ وَالْأَهْوَاءِ وَالضَّلَالَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ ﴿لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ أَيْ لَا يَهْتَدِي إِلَى مَنْفَذٍ وَلَا مَخْلَصٍ مِمَّا هو فيه.
وفي الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فِي ظُلْمَةٍ، ثُمَّ رَشَّ عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ، فَمَنْ أَصَابَهُ ذَلِكَ النُّورُ اهْتَدَى، وَمَنْ أَخْطَأَهُ ضل» (رواه أحمد في المسند)، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُمْ مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾، وقال تَعَالَى: ﴿أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أم يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صراط مستقيم﴾؟ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تذكرون﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلاَ الظُّلُمَاتُ وَلاَ النُّورُ وَلاَ الظِّلُّ وَلاَ الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلاَ الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنتَ إِلاَّ نذير﴾، والآيات في هذه كثيرة، ووجه المناسبة في ضرب المثلين ههنا بالنور والظلمات


الصفحة التالية
Icon