الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم» (رواه ابن أبي حاتم، قال ابن كثير: حديث حسن الإسناد)، وقوله: ﴿واليتامى﴾ أي أيتام الْمُسْلِمِينَ، وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ يَخْتَصُّ بِالْأَيْتَامِ الْفُقَرَاءِ أو يعم الأغنياء والفقراء؟ على قولين، والمساكين هُمُ الْمَحَاوِيجُ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يَسُدُّ خَلَّتَهُمْ وَمَسْكَنَتَهُمْ ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ هُوَ الْمُسَافِرُ أَوِ الْمُرِيدُ لِلسَّفَرِ إِلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ وَلَيْسَ لَهُ مَا يُنْفِقُهُ فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ، وَسَيَأْتِي تَفْسِيرُ ذَلِكَ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ مِنْ سورة براءة إن شاء الله تعالى.
وقوله تعالى: ﴿إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ أَي امْتَثِلُوا مَا شَرَعْنَا لَكُمْ مِنَ الْخُمُسِ فِي الْغَنَائِمِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا أَنْزَلَ عَلَى رَسُولِهِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عباس في وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: "وَآمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: آمُرُكُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تؤدوا الخمس من المغنم" الحديث، فجعل أداء الخمس من جملة الإيمان، وقوله: ﴿يَوْمَ الفرقان يوم التقى الجمعان﴾ يُنَبِّهُ تَعَالَى عَلَى نِعْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى خَلْقِهِ بِمَا فَرَقَ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِبَدْرٍ، ويسمى الفرقان، لأن الله أَعْلَى فِيهِ كَلِمَةَ الْإِيمَانِ عَلَى كَلِمَةِ الْبَاطِلِ، وأظهر دينه ونصر نبيه وحزبه، قال ابْنِ عَبَّاسٍ: يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمُ بَدْرٍ، فَرَقَ الله فيه بين الحق والباطل (أخرجه الحاكم). وقال عروة بن الزبير: ﴿يَوْمَ الفرقان﴾ يوم فرق الله بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَهُوَ أَوَّلُ مَشْهَدٍ شَهِدَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَأْسُ الْمُشْرِكِينَ (عُتْبَةُ بْنُ ربيعة) فالتقوا يوم الجمعان لِتِسْعَ عَشْرَةَ أَوْ سَبْعَ عَشْرَةَ مَضَتْ مِنْ رَمَضَانَ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ ثَلَثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَالْمُشْرِكُونَ مَا بَيْنَ الْأَلِفِ وَالتِّسْعِمِائَةِ، فَهَزَمَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ،
وَقُتِلَ مِنْهُمْ زِيَادَةٌ عَلَى السَّبْعِينَ وَأُسِرَ مِنْهُمْ مثل ذلك. وكانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان في صبحيتها لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ لِسَبْعَ عَشْرةَ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَغَازِي وَالسَّيْرِ.
- ٤٢ - إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِّيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ
يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ يَوْمِ الْفُرْقَانِ: ﴿إِذْ أَنتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدنيا﴾ أي أَنْتُمْ نُزُولٌ بِعُدْوَةِ الْوَادِي الدُّنْيَا الْقَرِيبَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ ﴿وَهُم﴾ أَي الْمُشْرِكُونَ نُزُولٌ ﴿بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى﴾ أي البعيدة من المدينة إلى نَاحِيَةِ مَكَّةَ ﴿وَالرَّكْبُ﴾ أَي الْعِيرُ الَّذِي فِيهِ أَبُو سُفْيَانَ بِمَا مَعَهُ مِنَ التِّجَارَةِ، ﴿أَسْفَلَ مِنكُمْ﴾ أَيْ مِمَّا يَلِي سَيْفَ الْبَحْرِ ﴿وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ﴾ أَيْ أَنْتُمْ وَالْمُشْرِكُونَ إِلَى مَكَانٍ ﴿لاَخْتَلَفْتُمْ فِي الميعاد﴾، قال محمد بن إسحاق في هذه الآية: وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ، ثُمَّ بَلَغَكُمْ كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ وَقِلَّةُ عَدَدِكُمْ مَا لَقِيتُمُوهُمْ ﴿وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً﴾ أي ليقضي


الصفحة التالية
Icon