عَلَى كُفْرِهِ وَفَرَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ إِلَيْهِ بِالْأَمَانِ وَالتَّسْيِيرِ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ يَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ، ومنهم (صفوان بن أُمية) و (عكرمة بْنُ أَبِي جَهْلٍ) وَغَيْرُهُمَا ثُمَّ هَدَاهُمُ اللَّهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْإِسْلَامِ التَّامِّ، وَاللَّهُ الْمَحْمُودُ عَلَى جَمِيعِ مَا يُقَدِّرُهُ وَيَفْعَلُهُ.
- ٨ - كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وأكثرهم فاسقون
يقول تعالى محرضاً المؤمنين على معاداتهم وَالتَّبَرِّي مِنْهُمْ، وَمُبَيِّنًا أَنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ أَن يَكُونَ لَهُمُ عهد لشركهم بالله تعالى وكفرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهم لو ظَهَرُوا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأُدِيلُوا عَلَيْهِمْ لَمْ يُبْقُوا وَلَمْ يَذَرُوا وَلَا رَاقَبُوا فِيهِمْ إِلًّا وَلَا ذمة، قال ابن عباس: الإل القرابة، والذمة العهد (وهو قول الضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيُّ كَمَا قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ: أَفْسَدَ النَّاسَ خُلُوفٌ خَلَفُوا: قَطَعُوا الْإِلَّ وَأَعْرَاقَ الرحم)، وقال مجاهد: الإل: الله أي لا يرقبون الله ولا غيره، والقول الأول أظهر وأشهر وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ، وَعَنْ مُجَاهِدٍ أَيْضًا: الْإِلُّ الْعَهْدُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الْإِلُّ الْحِلْفُ.
- ٩ - اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ
- ١٠ - لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ
- ١١ - فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلَاةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
يَقُولُ تَعَالَى ذَمًّا لِلْمُشْرِكِينَ وَحَثًّا لِلْمُؤْمِنِينَ عَلَى قِتَالِهِمْ: ﴿اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً﴾ يَعْنِي أَنَّهُمُ اعْتَاضُوا عَنِ اتِّبَاعِ آيَاتِ اللَّهِ بِمَا الْتَهَوْا بِهِ مِنْ أُمور الدُّنْيَا الْخَسِيسَةِ ﴿فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ﴾ أَيْ مَنَعُوا الْمُؤْمِنِينَ مِنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ ﴿إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً﴾ تقدم تفسيرها وكذا الآية التي بعدها.
- ١٢ - وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ
يَقُولُ تَعَالَى: وَإِن نكث هؤلاء المشركون الذين عاهدتم أَيْمَانَهُمْ أَيْ عُهُودَهُمْ وَمَوَاثِيقَهُمْ
﴿وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ﴾ أي عابوه وانتقصوه، ومن ههنا أُخِذَ قَتْلُ مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، أَوْ مَنْ طَعَنَ فِي دِينِ الإسلام أو ذكره بنقص، وَلِهَذَا قَالَ: ﴿فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾ أَيْ يَرْجِعُونَ عَمَّا هم فيه من الكفر والعناد والضلال، قال قتادة: أَئِمَّةُ الْكُفْرِ كَأَبِي جَهْلٍ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَأُمَيَّةَ بن خلف، قال ابن مردوية: مرَّ (سعد بن أبي وقاص) بِرَجُلٍ مِنَ الْخَوَارِجِ، فَقَالَ الْخَارِجِيُّ: هَذَا مِنْ أَئِمَّةِ الْكُفْرِ، فَقَالَ سَعْدٌ: كَذَبْتَ بَلْ أَنَا قاتلت أئمة الكفر، والآية عامة وإن كان سبب نزولها في مشركي قريش والله أعلم.