هُمْ خَالِدُونَ
- ١٨ - إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ
يَقُولُ تَعَالَى: مَا يَنْبَغِي لِلْمُشْرِكِينَ بِاللَّهِ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ اللَّهِ الَّتِي بُنِيَتْ عَلَى اسْمِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ له، وَهُمْ شَاهِدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أَيْ بِحَالِهِمْ وَقَالِهِمْ: كَمَا قَالَ السُّدِّيُّ: لَوْ سَأَلْتَ النَّصْرَانِيَّ ما دينك؟ لقال: نصراني، ولو سألت اليهودي ما دينك؟ لقال: يهودي، ﴿أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ﴾ أَيْ بِشِرْكِهِمْ ﴿وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ﴾، ولهذا قال تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ فَشَهِدَ تَعَالَى بِالْإِيمَانِ لِعُمَّارِ المساجد. كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم: "إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَعْتَادُ الْمَسْجِدَ فَاشْهَدُوا لَهُ بِالْإِيمَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بالله واليوم الآخر﴾ (رواه أحمد والترمذي وابن مردويه والحاكم). وروى الحافظ أبو بكر البزار عَنْ أَنَسٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا عُمَّارُ الْمَسَاجِدِ هُمْ أهل الله»،
وعن أَنَسٍ مَرْفُوعًا يَقُولُ اللَّهُ: وَعِزَّتِي وَجَلَالِي إِنِّي لَأَهِمُّ بِأَهْلِ الْأَرْضِ عَذَابًا، فَإِذَا نَظَرْتُ إِلَى عُمَّارِ بُيُوتِي، وَإِلَى الْمُتَحَابِّينَ فِيَّ، وَإِلَى الْمُسْتَغْفِرِينَ بالإسحار، صرفت ذلك عنهم (قال ابن عساكر: حديث غريب). وقال عبد الرزاق عن عمر بن ميمون الأودي قال: أدركت أصحاب محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسَاجِدَ بُيُوتُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، وَإِنَّهُ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكْرِمَ مَنْ زَارَهُ فِيهَا، وقال المسعودي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ لَمْ يُجِبْ ولم يأت الْمَسْجِدَ وَيُصَلِّي، فَلَا صَلَاةَ لَهُ وَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولُهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾ (أخرجه ابن مردويه)، وَقَوْلُهُ: ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ﴾ أَيْ الَّتِي هِيَ أَكْبَرُ عِبَادَاتِ الْبَدَنِ ﴿وَآتَى الزَّكَاةَ﴾ أَيْ الَّتِي هِيَ أفضل الأعمال المتعدية إلى بر الخلائق، وقوله: ﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ﴾ أَيْ وَلَمْ يَخَفْ إِلَّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَخْشَ سِوَاهُ ﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾، قَالَ ابن عباس: من وحّد الله وآمن باليوم الآخر ﴿وَأَقَامَ الصَّلَاةَ﴾ يَعْنِي الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ ﴿وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ﴾ يَقُولُ لَمْ يَعْبُدْ إِلَّا اللَّهَ ﴿فَعَسَى أُولَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾، يَقُولُ تعالى إِنَّ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ كَقَوْلِهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَّحْمُوداً﴾، وَهِيَ الشَّفَاعَةُ، وَكُلُّ «عَسَى» فِي الْقُرْآنِ فَهِيَ وَاجِبَةٌ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: وعسى مِنَ اللَّهِ حَقٌّ.
- ١٩ - أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ الله لا يستوون عند الله والله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
- ٢٠ - الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ
- ٢١ - يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ
- ٢٢ - خَالِدِينَ فِيهَآ أَبَداً إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ