قَالَ ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي تفسير هذه الآية: نَزَلَتْ فِي الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ حِينَ أسر ببدر قَالَ: لَئِنْ كُنْتُمْ سَبَقْتُمُونَا بِالْإِسْلَامِ وَالْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، لَقَدْ كُنَّا نَعْمُرُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَنَسْقِي الْحَاجَّ وَنَفُكُّ الْعَانِيَ، قَالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ - إِلَى قَوْلِهِ - وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾، يعني أن ذلك كله كَانَ فِي الشِّرْكِ وَلَا أَقْبَلُ مَا كَانَ في الشرك، وقال الضحاك: أَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْعَبَّاسِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ أُسِرُوا يَوْمَ بَدْرٍ يُعَيِّرُونَهُمْ بِالشِّرْكِ، فَقَالَ الْعَبَّاسُ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ كُنَّا نُعَمِّرُ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَنَفُكُّ الْعَانِيَ، وَنَحْجُبُ الْبَيْتَ، وَنَسْقِي الْحَاجَّ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج﴾ الآية. وعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: ما أبالي أن لا أَعْمَلَ لِلَّهِ عَمَلًا بَعْدَ الْإِسْلَامِ إِلَّا أَنْ أَسْقِيَ الْحَاجَّ، وَقَالَ آخَرُ: بَلْ عِمَارَةُ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَقَالَ آخَرُ: بَلِ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا قُلْتُمْ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَالَ: لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَلَكِنْ إِذَا صَلَّيْتُ الْجُمُعَةَ دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَفْتَيْتُهُ فِيمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ، قَالَ: فَفَعَلَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحاج وَعِمَارَةَ المسجد - إِلَى قَوْلِهِ - وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ (أخرجه عبد الرزاق ورواه مسلم وأبو داود وابن مردويه وابن حبان وابن جرير وهذا لفظه).
- ٢٣ - يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
- ٢٤ - قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين
أمر تعالى بمباينة الكفار، وَإِنْ كَانُوا آبَاءً أَوْ أَبْنَاءً، وَنَهَى عَنْ موالاتهم إن اسْتَحَبُّوا أَيْ اخْتَارُوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَتَوَعَّدَ على ذلك، كقوله تَعَالَى: ﴿لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَآءَهُمْ أَوْ أَبْنَآءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾، ثُمَّ أَمَرَ تَعَالَى رَسُولَهُ أَنْ يَتَوَعَّدَ مَنْ آثر أهله وقرابته وعشيرته على الله وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَقَالَ: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا﴾ أَيْ اكْتَسَبْتُمُوهَا وَحَصَّلْتُمُوهَا ﴿وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَآ﴾ أَيْ تُحِبُّونَهَا لِطِيبِهَا وَحُسْنِهَا أَيْ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ ﴿أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ﴾ أَيْ فَانْتَظِرُوا مَاذَا يَحِلُّ بِكُمْ مِنْ عِقَابِهِ وَنَكَالِهِ بِكُمْ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي القوم الفاسقين﴾. وروى الإمام أحمد عَنْ زُهْرَةَ بْنِ مَعْبَدٍ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فقال: والله يَا رَسُولَ اللَّهِ لَأَنَّتْ أَحَبُّ إليَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ»، فَقَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ الْآنَ وَاللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الآن يا عمر» (انفرد بإخراجه البخاري). وقد ثبت