بذهبيه فِي تُرْبَتِهَا مِنَ الْيَمَنِ فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: الْأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ، وَعُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ، وَعَلْقَمَةَ بْنِ عُلَاثَةَ، وَزَيْدِ الْخَيْرِ، وَقَالَ: «أَتَأَلَّفُهُمْ»، وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى لِمَا يُرْجَى مِنْ إِسْلَامِ نُظَرَائِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى لِيَجْبِيَ الصَّدَقَاتِ مِمَّنْ يَلِيهِ أَوْ لِيَدْفَعَ عَنْ حَوْزَةِ الْمُسْلِمِينَ الضَّرَرَ من أطراف البلاد.
وَهَلْ تُعْطَى الْمُؤَلَّفَةُ عَلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فِيهِ خِلَافٌ، فَرُوِيَ عن
عمر وعامر والشعبي وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ لَا يُعْطَوْنَ بَعْدَهُ، لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ وَمَكَّنَ لَهُمْ فِي الْبِلَادِ وَأَذَلَّ لَهُمْ رِقَابَ الْعِبَادِ، وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ يُعْطَوْنَ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ أعطاهم بعد فتح مكة وكسر هوزان، وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فَيُصْرَفُ إِلَيْهِمْ. وَأَمَّا الرِّقَابُ فَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَمُقَاتِلِ وسعيد بن جبير أنهم المكاتبون؛ وهو قول الشافعي والليث رضي الله عنهما، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ لَا بَأْسَ أَنْ تعتق الرقبة من الزكاة، وهو مذهب أحمد ومالك أَيْ إِنَّ الرِّقَابَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يُعْطَى المكاتب أو يشتري رقبة فيعتقها استقلالاً؛ وفي الحديث: "ثَلَاثَةٌ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنُهُمْ: الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ، وَالنَّاكِحُ الذي يريد العفاف" (رواه أحمد وأصحاب السُّنَنِ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ). وَفِي الْمُسْنَدِ عَنِ أبي الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، فَقَالَ: «أَعْتِقِ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ»، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أو ليسا وَاحِدًا؟ قَالَ: «لَا، عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تُفْرَدَ بِعِتْقِهَا، وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» (أخرجه الإمام أحمد في المسند). وَأَمَّا الْغَارِمُونَ فَهُمْ أَقْسَامٌ: فَمِنْهُمْ مَنْ تَحَمَّلَ حَمَالَةً أَوْ ضَمِنَ دَيْنًا فَلَزِمَهُ فَأَجْحَفَ بِمَالِهِ أَوْ غَرِمَ فِي أَدَاءِ دَيْنِهِ أَوْ فِي معصية ثم
تاب فهؤلاء يدفع إليهم، لما روي عن أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ»، فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عليه فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ لِغُرَمَائِهِ: «خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلَّا ذلك» (أخرجه مسلم في صحيحه). وَأَمَّا ﴿فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ فَمِنْهُمُ الْغُزَاةُ الَّذِينَ لا حق لهم في الديون. وعند الحسن: والحج من سبيل الله وَكَذَلِكَ ﴿ابْنُ السَّبِيلِ﴾ وَهُوَ الْمُسَافِرُ الْمُجْتَازُ فِي بَلَدٍ لَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى سَفَرِهِ، فَيُعْطَى مِنَ الصَّدَقَاتِ مَا يَكْفِيهِ إِلَى بلده وإن كان له مال، لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، أَوْ جَارٍ فَقِيرٍ فَيُهْدِي لَكَ أَوْ يَدْعُوكَ» (رواه أبو داود عن أبي سعيد الخدري). وَقَوْلُهُ: ﴿فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ﴾ أَيْ حُكْمًا مُقَدَّرًا بِتَقْدِيرِ اللَّهِ وَفَرْضِهِ وَقَسْمِهِ ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾: أَيْ عَلِيمٌ بِظَوَاهِرِ الْأُمُورِ وَبَوَاطِنِهَا وَبِمَصَالِحِ عِبَادِهِ، ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما يقوله وَيَشْرَعُهُ وَيَحْكُمُ بِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَلَا رَبَّ سِوَاهُ.
- ٦١ - وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
-[١٥٢]-
يَقُولُ تَعَالَى: وَمِنَ الْمُنَافِقِينَ قَوْمٌ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم بالكلام فيه (قيل: هو عتاب بن قشير، وقيل هو نبتل بن الحارث) وَيَقُولُونَ ﴿هُوَ أُذُنٌ﴾ أَيْ مَنْ قَالَ لَهُ شيئاً صدقة فينا، ومن حدّثه صدقه فإذا جئناه وحلفنا له صدقنا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ أُذُنُ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ أي هو أذن يَعْرِفُ الصَّادِقَ مِنَ الْكَاذِبِ، ﴿يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ أَيْ وَيُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ، ﴿وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ﴾ أي وهو حجة على الكافرينن وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.