وَمَا يَلْتَفِتُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو متعلق بسيف رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ذَكَرَهُ الْمَدِينِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَغَيْرِهِ). وقال ابن إسحاق: كَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مِنْهُمْ (وَدِيعَةُ بْنُ ثابت) ورجل من أشجع يقال له (مخشى بن حمير) يسيرون مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ مُنْطَلِقٌ إِلَى تَبُوكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَتَحْسَبُونَ جِلَادَ بَنِي الْأَصْفَرِ كَقِتَالِ الْعَرَبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا، وَاللَّهِ لَكَأَنَّا بِكُمْ غَدًا مُقَرَّنِينَ فِي الحبال، إرجافاً وترهيباً للمؤمنين، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ: «أَدْرِكِ الْقَوْمَ فَإِنَّهُمْ قَدِ احترقوا فاسألهم عَمَّا قَالُوا، فَإِنْ أَنْكَرُوا فَقُلْ بَلَى قُلْتُمْ كذا وكذا» فانطلق إليهم عمار فقال لهم ذلك، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعتذرون إليه، فقال وديعة بن ثابت يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، فقال مخشى بْنُ حُمَيِّرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَعَدَ بِيَ اسْمِي وَاسْمُ أَبِي، فَكَانَ الَّذِي عُفي عَنْهُ في هذه الآية (مخشى بْنُ حُمَيِّرٍ) فَتَسَمَّى عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُقْتَلَ شَهِيدًا لَا يُعْلَمُ بِمَكَانِهِ، فَقُتِلَ يوم اليمامة
(رواه ابن إسحاق). وقال قتادة بينما النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وركبٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَسِيرُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالُوا: يَظُنُّ هَذَا أَنْ يَفْتَحَ قُصُورَ الرُّومِ وَحُصُونَهَا؟ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ، فَأَطْلَعَ اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا قَالُوا، فَقَالَ: «عليَّ بِهَؤُلَاءِ النَّفَرِ» فَدَعَاهُمْ فَقَالَ: «قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا»، فَحَلَفُوا مَا كُنَّا إِلَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ. وَقَوْلُهُ: ﴿لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ﴾ أَيْ بِهَذَا الْمَقَالِ الَّذِي اسْتَهْزَأْتُمْ بِهِ، ﴿إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً﴾ أَيْ لَا يُعْفَى عَنْ جَمِيعِكُمْ وَلَا بُدَّ مِنْ عَذَابِ بَعْضِكُمْ ﴿بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ أَيْ مُجْرِمِينَ بِهَذِهِ الْمَقَالَةِ الْفَاجِرَةِ الْخَاطِئَةِ.
- ٦٧ - الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
- ٦٨ - وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
يَقُولُ تَعَالَى مُنْكِرًا عَلَى الْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى خِلَافِ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَمَّا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ كَانَ هَؤُلَاءِ ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾ أَيْ عَنِ الْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، ﴿نَسُواْ اللَّهَ﴾ أَيْ نَسُوا ذِكْرَ اللَّهِ ﴿فَنَسِيَهُمْ﴾ أَيْ
عاملهم معاملة من نسيهم، كقوله تعالى: ﴿فاليوم نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هذا﴾، ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ أَيْ الْخَارِجُونَ عَنْ طَرِيقِ الْحَقِّ الدَّاخِلُونَ فِي طَرِيقِ الضَّلَالَةِ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ أَيْ عَلَى هَذَا الصَّنِيعِ الَّذِي ذُكِرَ عَنْهُمْ، ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أَيْ مَاكِثِينَ فِيهَا مُخَلَّدِينَ هُمْ وَالْكُفَّارُ ﴿هِيَ حَسْبُهُمْ﴾ أَيْ كِفَايَتُهُمْ فِي الْعَذَابِ، ﴿وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ﴾ أَيْ طَرَدَهُمْ وَأَبْعَدَهُمْ ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾.
- ٦٩ - كَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ