قَالَ: وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ، وَتَغَيَّرُوا لَنَا، حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِي الْأَرْضُ، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي كُنْتُ أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خمسين ليلة. ثم ذكر تتمة الحديث (أخرجه الشيخان وأحمد، وله تتمة طويلة في توبة الله عزَّ وجلَّ عليه يرجع إليها في الصحيحين).
قَالَ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بهم رؤوف رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتقوا الله وَكُونُواْ مَعَ الصادقين﴾. وَلَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى مَا فَرَّجَ بِهِ عَنْ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الضِّيقِ وَالْكَرْبِ مِنْ هَجْرِ الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ نَحْوًا مِنْ خَمْسِينَ لَيْلَةً بِأَيَّامِهَا وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رحبت أي مع سعتها، فسدت عَلَيْهِمُ الْمَسَالِكُ وَالْمَذَاهِبُ، فَلَا يَهْتَدُونَ مَا يَصْنَعُونَ، فَصَبَرُوا لِأَمْرِ اللَّهِ وَاسْتَكَانُوا لِأَمْرِ اللَّهِ، وَثَبَتُوا حَتَّى فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِسَبَبِ صِدْقِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَخَلُّفِهِمْ، وَأَنَّهُ كَانَ عَنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَعُوقِبُوا عَلَى ذَلِكَ هَذِهِ الْمُدَّةَ ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَكَانَ عَاقِبَةُ صِدْقِهِمْ خَيْرًا لَهُمْ وَتَوْبَةً عَلَيْهِمْ، وَلِهَذَا قَالَ" ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ أَيْ اصْدُقُوا وَالْزَمُوا الصدق تكونوا من أَهْلِهِ وَتَنْجُوَا مِنَ الْمَهَالِكِ، وَيَجْعَلُ لَكُمْ فَرَجًا من أموركم ومخرجاً، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال: الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ مِنْهُ جَدٌّ وَلَا هَزْلٌ، اقرأوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُوا الله وَكُونُواْ مَعَ الصادقين﴾، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ مع الصادقين فعليك بالزهذ فِي الدُّنْيَا وَالْكَفِّ عَنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ.
- ١٢٠ - مَا كَانَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سبيل الله ولا يطؤون مَوْطِئاً يَغِيظُ الكفار ولاينالون مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين
يعاتب تبارك وتعالى الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلِهَا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، وَرَغْبَتَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ عن مواساته فيما حصل له مِنَ الْمَشَقَّةِ، فَإِنَّهُمْ نَقَصُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ، لِأَنَّهُمْ ﴿لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ﴾ وَهُوَ الْعَطَشُ ﴿وَلاَ نَصَبٌ﴾ وَهُوَ التَّعَبُ ﴿وَلاَ مَخْمَصَةٌ﴾ وَهِيَ الْمَجَاعَةُ ﴿ولا يطؤون مَوْطِئاً يَغِيظُ الكفار﴾ أي ينزلوا مَنْزِلًا يُرْهِبُ عَدُوَّهُمْ، ﴿وَلاَ يَنَالُونَ﴾ مِنْهُ ظَفَرًا وغلبة عليه، ﴿إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ﴾ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَيْسَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ قدرهم وَإِنَّمَا هِيَ نَاشِئَةٌ عَنْ أَفْعَالِهِمْ أَعْمَالًا صَالِحَةً وَثَوَابًا جَزِيلًا، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ كَقَوْلِهِ: ﴿إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾.
- ١٢١ - وَلاَ يُنفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً وَلاَ يَقْطَعُونَ وَادِياً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
يَقُولُ تَعَالَى وَلَا يُنْفِقُ هَؤُلَاءِ الْغُزَاةُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴿نَفَقَةً صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً﴾ أَيْ قَلِيلًا وَلَا كَثِيرًا، {وَلاَ يَقْطَعُونَ