يُخْبِرُ تَعَالَى عَمَّا خَلَقَ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ وَعَظِيمِ سُلْطَانِهِ، وَأَنَّهُ جَعَلَ الشعاع الصادر عن جرم الشمس ضياء، وجعل شعاع الْقَمَرِ نُورًا، هَذَا فَنٌّ وَهَذَا فَنٌّ آخَرُ؛ فَفَاوَتَ بَيْنَهُمَا لِئَلَّا يَشْتَبِهَا، وَجَعَلَ سُلْطَانَ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ، وَسُلْطَانَ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ، وَقَدَّرَ الْقَمَرَ مَنَازِلَ، فَأَوَّلُ مَا يَبْدُو صَغِيرًا، ثُمَّ يَتَزَايَدُ نُورُهُ وَجِرْمُهُ حَتَّى يَسْتَوْسِقَ وَيَكْمُلَ إِبْدَارُهُ، ثُمَّ يَشْرَعُ في النقص حتى يرجع إلى حالته الأولى في تمام شهر، كقوله تَعَالَى: ﴿وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ﴾. وقوله تعالى: ﴿والشمس والقمر حُسْبَاناً﴾، ﴿وَقَدَّرَهُ﴾ أي القمر، ﴿مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾ فَبِالشَّمْسِ تُعْرَفُ الْأَيَّامُ، وَبِسَيْرِ الْقَمَرِ تُعْرَفُ الشُّهُورُ وَالْأَعْوَامُ، ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ أَيْ لَمْ يَخْلُقْهُ عَبَثًا بَلْ لَهُ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ فِي ذلك وحجة بالغة، كقوله تعالى: ﴿وَمَا خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلا﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ ترجعون﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿نفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ أَيْ نُبَيِّنُ الْحُجَجَ وَالْأَدِلَّةَ، ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ أَيْ تَعَاقُبُهُمَا إِذَا جَاءَ هَذَا ذَهَبَ هَذَا، وَإِذَا ذَهَبَ هَذَا جَاءَ هَذَا، لَا يتأخر عنه شيئاً كقوله: ﴿يغشي الليل النهار يَطْلُبُهُ حَثِيثاً﴾، وَقَالَ: ﴿لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ الآية، وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أَيْ مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَتِهِ تَعَالَى، كما قال: ﴿وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السموات والأرض﴾ الآية، وقوله: ﴿قُلِ انظروا مَاذَا فِي السموات والأرض﴾، وقال: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السموات والأرض واختلاف اليل والنهار لآيَاتٍ لأُوْلِي الألباب﴾ أي العقول، وقال ههنا ﴿لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ﴾، أَيْ عِقَابَ اللَّهِ وَسَخَطَهُ وعذابه.
- ٧ - إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ آيَاتِنَا غَافِلُونَ
- ٨ - أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ
يقول تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ حَالِ الْأَشْقِيَاءِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَرْجُونَ فِي لقائه شَيْئًا، وَرَضُوا بِهَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنَّتْ إِلَيْهَا نفوسهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدنيا واطمأنوا بِهَا﴾ الآية، قَالَ الْحَسَنُ: وَاللَّهِ مَا زَيَّنُوهَا وَلَا رَفَعُوهَا حَتَّى رَضُوا بِهَا، وَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ الْكَوْنِيَّةِ، فَلَا يَتَفَكَّرُونَ فِيهَا، وَالشَّرْعِيَّةِ فَلَا يَأْتَمِرُونَ بِهَا بِأَنَّ مَأْوَاهُمْ يَوْمَ مَعَادِهِمُ النَّارُ جزاء مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ في ديناهم مِنَ الْآثَامِ وَالْخَطَايَا وَالْإِجْرَامِ، مَعَ مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ.
- ٩ - إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ
- ١٠ - دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
هذا إِخْبَارٌ عَنْ حَالِ السُّعَدَاءِ الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا الْمُرْسَلِينَ وَامْتَثَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ، فَعَمِلُوا الصالحات، بأنه سيهديهم بإيمانهم، أي بِسَبَبِ إِيمَانِهِمْ فِي الدُّنْيَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ يَوْمَ القيامة على الصراط المستقيم حَتَّى يَجُوزُوهُ وَيَخْلُصُوا إِلَى الْجَنَّةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِعَانَةِ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ: ﴿يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ﴾ قَالَ: يَكُونُ لَهُمْ نُورًا يمشون به، وقال ابن جريج: في الآية يمثل له عمله في صورة حسنة إذا قام من قبره يبشره بِكُلِّ خَيْرٍ، فَيَقُولُ