إِيَّانَا تَعْبُدُونَ
- ٢٩ - فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إن كنا عن عبادتكم لغافلين
- ٣٠ - هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ
يَقُولُ تَعَالَى: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ﴾ أَيْ أَهْلَ الْأَرْضِ كلهم من جن وإنس وبر وفاجر، كقوله: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أحدا﴾، ﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ الآية، أَيْ الْزَمُوا أَنْتُمْ وَهَمَ مَكَانًا مُعَيَّنًا، امْتَازُوا فيه عن مقام المؤمنين، كقوله تعالى: ﴿وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون﴾، وقوله: ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ﴾، وفي الآية الأُخْرى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ أَيْ يَصِيرُونَ صَدْعَيْنِ؛ وَهَذَا يَكُونُ إِذَا جَاءَ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِفَصْلِ الْقَضَاءِ، ﴿مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَآؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ﴾ أي أنهم أنكروا عبادتهم وتبرؤوا منهم، كقوله: ﴿كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ﴾ الآية، وقوله: ﴿إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَآءً﴾ الآية، ﴿فكفى بالله شَهِيداً بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ الآية، أَيْ مَا كُنَّا نَشْعُرُ بِهَا وَلَا نَعْلَمُ بها، وإنما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَنَا مِنْ حَيْثُ لَا نَدْرِي بِكُمْ وَاللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنَّا مَا دَعَوْنَاكُمْ إِلَى عِبَادَتِنَا وَلَا أَمَرْنَاكُمْ بِهَا وَلَا رَضِينَا مِنْكُمْ بِذَلِكَ، وَفِي هَذَا تَبْكِيتٌ عَظِيمٌ لِلْمُشْرِكِينَ الذين عبدوا مع الله غيره وقد تركوا عبادة الحي القيوم الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، الْعَلِيمِ بِكُلِّ شَيْءٍ، وقد أرسل رسله آمِرًا بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ نَاهِيًا عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فاعبدون﴾، وَقَالَ: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ؟﴾، وقوله تعالى: ﴿هُنَالِكَ تَبْلُواْ كُلُّ نَفْسٍ مَّآ أَسْلَفَتْ﴾ أَيْ فِي مَوْقِفِ الْحِسَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُخْتَبَرُ كُلُّ نَفْسٍ وَتَعْلَمُ ما سلف من عملها من خير وشر، كقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تبلى السرآئر﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقرأ كتابك﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ﴾ أَيْ وَرَجَعْتِ الْأُمُورُ كُلُّهَا إِلَى اللَّهِ الْحَكَمِ الْعَدْلِ، فَفَصَّلَهَا وَأَدْخَلَ أَهْلَ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، وَأَهْلَ النَّارِ النَّارَ، ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ﴾ أَيْ ذَهَبَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ، ﴿مَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أَيْ مَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ افْتِرَاءً عَلَيْهِ.
- ٣١ - قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
- ٣٢ - فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ
- ٣٣ - كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ
يَحْتَجُّ تَعَالَى عَلَى الْمُشْرِكِينَ بِاعْتِرَافِهِمْ بِوَحْدَانِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ على واحدنية إلاهيته، فقال تعالى: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ أَيْ مَنْ ذَا الَّذِي يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءَ المطر، فيشق الأرض شقاً يقدرته ومشيئته، فيخرج منها ﴿حبا وعنبا وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَآئِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً﴾ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ؟ فَسَيَقُولُونَ: اللَّهُ ﴿أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ﴾؟ وقوله: ﴿أَمَّن يَمْلِكُ السمع والأبصار﴾ أَيْ الَّذِي وَهَبَكُمْ هَذِهِ الْقُوَّةَ السَّامِعَةَ، وَالْقُوَّةَ الْبَاصِرَةَ، وَلَوْ شَاءَ لَذَهَبَ بِهَا وَلَسَلَبَكُمْ إِيَّاهَا، كقوله تَعَالَى: ﴿قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ﴾