الآية، وَقَالَ: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾ الآية، وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ﴾ أَيْ بِقُدْرَتِهِ الْعَظِيمَةِ وَمِنَّتِهِ العميمة، وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَن يُدَبِّرُ الْأَمْرَ﴾ أَيْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شيء، وَهُوَ الْمُتَصَرِّفُ الْحَاكِمُ الَّذِي لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وهم يسألون، فالملك كله العلوي والسفلي فقيرون إليه خاضعون لديه، ﴿فَسَيَقُولُونَ الله﴾ أي وهم يَعْلَمُونَ ذَلِكَ وَيَعْتَرِفُونَ بِهِ، ﴿فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾؟ أَيْ أَفَلَا تَخَافُونَ مِنْهُ أَنْ تَعْبُدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ بِآرَائِكُمْ وَجَهِلِكُمْ؟ وَقَوْلُهُ: ﴿فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الحق﴾ الآية، أَيْ فَهَذَا الَّذِي اعْتَرَفْتُمْ بِأَنَّهُ فَاعِلٌ ذَلِكَ كُلَّهُ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَهُكُمُ الْحَقُّ الَّذِي يَسْتَحِقُّ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعِبَادَةِ، ﴿فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلَالُ﴾؟ أَيْ فَكُلُّ مَعْبُودٍ سِوَاهُ بَاطِلٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَاحِدٌ، لَا شَرِيكَ لَهُ، ﴿فَأَنَّى تُصْرَفُونَ﴾ أَيْ فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ إِلَى عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ؟ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ الرَّبُّ الَّذِي خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَالْمُتَصَرِّفُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَقَوْلُهُ: ﴿كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الذين فَسَقُواْ﴾ أَيْ كَمَا كَفَرَ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ وَاسْتَمَرُّوا عَلَى شِرْكِهِمْ، وَعِبَادَتِهِمْ مَعَ اللَّهِ غَيْرَهُ مَعَ أَنَّهُمْ يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُ الْخَالِقُ الرَّازِقُ الْمُتَصَرِّفُ فِي الْمُلْكِ وَحْدَهُ، الَّذِي بَعَثَ رُسُلَهُ بِتَوْحِيدِهِ، فَلِهَذَا حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ اللَّهِ أَنَّهُمْ أَشْقِيَاءُ مِنْ سَاكِنِي النَّارِ، كَقَوْلِهِ: ﴿قَالُواْ بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الكافرين﴾.
- ٣٤ - قُلْ هَلْ مِن شركائكم من يَبْدَؤُاْ الخلق ثُمَّ يعيده قل الله يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ
- ٣٥ - قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ
- ٣٦ - وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ
وَهَذَا إِبْطَالٌ لِدَعْوَاهُمْ فِيمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ غَيْرَهُ، وَعَبَدُوا مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ، ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ من يبدؤ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ أَيْ مَنْ بَدَأَ خَلْقَ هَذِهِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، ثُمَّ يُنْشِئُ مَا فِيهِمَا مِنَ الْخَلَائِقِ، وَيُفَرِّقُ أَجْرَامَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيُبْدِلْهُمَا بِفَنَاءِ مَا فِيهِمَا ثُمَّ يُعِيدُ الْخَلْقَ خَلْقًا جَدِيدًا ﴿قُلِ اللَّهُ﴾ هُوَ الَّذِي يَفْعَلُ هَذَا ويستقل به وحده لا شريك به، ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ أَيْ فَكَيْفَ تُصْرَفُونَ عَنْ طَرِيقِ الرُّشْدِ إِلَى الْبَاطِلِ، ﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُمْ مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ؟ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ﴾ أَيْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ شُرَكَاءَكُمْ لَا تَقْدِرُ عَلَى هِدَايَةِ ضَالٍّ، وَإِنَّمَا يَهْدِي الْحَيَارَى والضُلاّل، وَيُقَلِّبُ الْقُلُوبَ مِنَ الْغَيِّ إِلَى الرُّشْدِ الله رب العالمين، ﴿أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لاَّ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى﴾ أَيْ أَفَيُتَّبَعُ الْعَبْدُ الَّذِي يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَيُبَصِّرُ بَعْدَ الْعَمَى، أَمِ الَّذِي لَا يَهْدِي إِلَى شَيْءٍ إِلاَّ أَن يُهْدَى لِعَمَاهُ وَبُكْمِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ إِبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَالَ: ﴿يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا﴾.
وقوله تعالى: ﴿فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ أَيْ فَمَا بَالُكُمْ يُذْهَبُ بِعُقُولِكُمْ، كَيْفَ سَوَّيْتُمْ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ خَلْقِهِ، وَعَدَلْتُمْ هَذَا بِهَذَا وَعَبَدْتُمْ هَذَا وَهَذَا؟ وهلا أفردتم الرب جل جلاله بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ، وَأَخْلَصْتُمْ إِلَيْهِ الدَّعْوَةَ وَالْإِنَابَةَ؟ ثُمَّ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُمْ لَا يَتَّبِعُونَ فِي دِينِهِمْ هَذَا دَلِيلًا وَلَا بُرْهَانًا، وَإِنَّمَا هُوَ ظنٌ مِنْهُمْ أَيْ تَوَهُّمٌ وَتَخَيُّلٌ، وَذَلِكَ لاَ يُغْنِي