إِذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ جَاءَهُ مَلَائِكَةٌ بِيضُ الْوُجُوهِ بِيضُ الثِّيَابِ، فَقَالُوا: اخْرُجِي أَيَّتُهَا الرُّوحُ الطَّيِّبَةُ إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانٍ وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ، فَتَخْرُجُ مِنْ فَمِهِ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فَمِ السِّقَاءِ). وَأَمَّا بُشْرَاهُمْ فِي الْآخِرَةِ فَكَمَا قَالَ تعالى: ﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر وَتَتَلَقَّاهُمُ الملائكة هذا يَوْمُكُمُ الذي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تحتها الأنهار﴾، وَقَوْلُهُ: ﴿لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ أَيْ هَذَا الْوَعْدُ لَا يُبَدَّلُ وَلَا يُخْلَفُ وَلَا يُغَيَّرُ بَلْ هُوَ مُقَرَّرٌ مُثَبَّتٌ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾.
- ٦٥ - وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
- ٦٦ - أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ شُرَكَاءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ
- ٦٧ - هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ
يَقُولُ تَعَالَى لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ﴿وَلاَ يَحْزُنكَ﴾ قَوْلُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ عَلَيْهِمْ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ فَإِنَّ ﴿الْعِزَّةَ للَّهِ جَمِيعاً﴾ أي جميعاً لَهُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، ﴿هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ أَيِ السَّمِيعُ لِأَقْوَالِ عِبَادِهِ الْعَلِيمُ بِأَحْوَالِهِمْ؛ ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ لَهُ مُلْكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَهِيَ لَا تَمْلِكُ شَيْئًا، لَا ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى عِبَادَتِهَا، بَلْ إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ فِي ذَلِكَ ظُنُونَهُمْ وَتَخَرُّصَهُمْ وَكَذِبَهُمْ وَإِفْكَهُمْ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ الَّذِي جَعَلَ لِعِبَادِهِ اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ، أَيْ يَسْتَرِيحُونَ فِيهِ مِنْ نَصَبِهِمْ وَكَلَالِهِمْ وَحَرَكَاتِهِمْ، ﴿وَالنَّهَارَ مُبْصِراً﴾ أَيْ
مُضِيئًا لِمَعَاشِهِمْ وَسَعْيِهِمْ وَأَسْفَارِهِمْ وَمَصَالِحِهِمْ، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ أَيْ يَسْمَعُونَ هَذِهِ الْحُجَجَ وَالْأَدِلَّةَ فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا وَيَسْتَدِلُّونَ عَلَى عَظَمَةِ خَالِقِهَا وَمُقَدِّرِهَا وَمُسَيِّرِهَا.
- ٦٨ - قَالُواْ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
- ٦٩ - قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ
- ٧٠ - مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ
يَقُولُ تَعَالَى منكراً على من ادعى أنه لَهُ ﴿وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ أَيْ تَقَدَّسَ عَنْ ذَلِكَ هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ وَكُلُّ شَيْءٍ فَقِيرٌ إِلَيْهِ ﴿لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، أَيْ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ مِمَّا خَلَقَ وَكُلُّ شَيْءٍ مَمْلُوكٌ لَهُ عَبْدٌ لَهُ ﴿إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ بِهَذَا﴾ أَيْ لَيْسَ عِنْدَكُمْ دَلِيلٌ عَلَى مَا تَقُولُونَهُ مِنَ الْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ ﴿أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾؟ إِنْكَارٌ وَوَعِيدٌ أَكِيدٌ وتهديد شديد، كقوله تَعَالَى: ﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تكاد السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً أَن دَعَوْا للرحمن ولدً * وَمَا يَنبَغِي للرحمن أَن يَتَّخِذَ وَلَداً﴾، ثُمَّ تَوَعَّدَ تَعَالَى الْكَاذِبِينَ عَلَيْهِ الْمُفْتَرِينَ مِمَّنْ زعم أن لَهُ وَلَدًا، بِأَنَّهُمْ لَا يُفْلِحُونَ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ،